Monday, April 5, 2010

"أمك اسمها حنفي" ... البعد الثالث للأدب


* الأدب الساخر مثله مثل الكوميديا أو الملهاة يعمل على إضحاكنا على نواقصنا حتى نتطهر منها

* أول مثقف يطالب بختان الإناث!!


البعد الثالث للأشياء هو «العمق» والعمق هو قلب الشىء، ومن يتحدث عن قلب الشىء فكأنما عرف كل أسراره أو قام بتحليله والوصول لكل تفاصيله، وهذا ما فعله إيهاب طاهر فى كتابه «أمك اسمها حنفى» الصادر عن دار القمر.

لدى كل شعب من الشعوب فى مشارق الأرض ومغاربها عادات وتقاليد وطقوس ومعتقدات بعض هذه العادات لا تجد الشعوب أى غضاضة فى الجهر بها، وبعضها يحرص على اخفائها، خاصة الشعوب العربية عادة ما تخفى معظم تصرفاتها ومن يقرب من تلك العادات أو «التابوهات» أو يشرع فى الحديث عنها أو تعريتها يتم اتهامه بالفسق والفجور وعظائم الأمور، والبعض الآخر يتهمونه بأنه يبغى شهرة ويسير على درب خالف تعرف، علما بأن تشريح المجتمع حاجة ملحة فى هذه الفترة التى نعانى منها من ازدواج شديد فى الطباع والأخلاق والتصرفات وحتى الملابس والطعام، وهذا بالضبط ما وضع عليه إيهاب طاهر يده حيث شرح المجتمع المصرى فى «أمك اسمها حنفى» ليضع كل منا عاريا أمام مرآة الحقيقة، هناك من سيرضى رؤية حقيقة نفسه، وهناك من سيرفض مجرد الفكرة.

فى عام 1954 قام الفنان الرائع ملك الكوميديا «اسماعيل ياسين» ببطولة فيلم «الأنسة حنفى» للمخرج الراحل «فطين عبدالوهاب» وكتب قصته «جليل البندارى»، ومنذ ذلك الوقت ظهر «أفيه» «أمك اسمها حنفى» على سبيل الفكاهة والتريقة التى تميز المصريين طول العمر، أمك اسمها حنفى جملة اعتراضية تستطيع أن تقولها لكل شخص أو تصرف أو عادة سيئة.

وسط عالم ملىء بكل ما هو افتراضى من «فيس بوك وتويتر وتاجد وغرف شات» وقنوات غريبة على الدش، صار المواطن المصرى مواطنا افتراضىا، يعيش حياة افتراضية، يتخيل قصة حب وزواج وأطفال وحياة كاملة على صفحة فى الفيس بوك أو غرفة من غرف الشات.. وهناك يهنئك إيهاب طاهر فى أول فصول كتابه فيقول لك «مبروك عليك كدة.. أنت أصبحت مواطن افتراضى».

يتجاوز إيهاب طاهر الحلال والحرام والعيب فى ظاهرة غشاء البكارة الصينى ليصل بنا إلى محطة أخرى عنوانها «تعالوا نقضيها صناعى .. ياصين أمك اسمها حنفى» .. يقول : أنا مش هتكلم عن العيب والحرام ولا عن عاداتنا وتقاليدنا المصرية.. أنا مش هناقش الموضوع ده من أى مدخل من المداخل دى لأن طوب الأرض تناوله منها.. أنا بقى هختار مدخل جديد ساخر شوية، مدخل مطرقع، وهو التحيز، الصين متحيزة للستات والبنات ومراعاة الاهتمام بالأنثى عن الذكر، مش عارف ده اضطهاد للرجالة ؟ ولا تمييز نوعى؟ ولا إيه بالضبط؟

ولأن الأدب الساخر يحتاج إلى مصارحة الذات قبل مصارحة المجتمع، يسأل إيهاب طاهر قراءه: يا ترى فى حد بيحب الحكومة؟ حد منكم هيجاوب؟ حد منكم هيقدر يجاوب؟ حد عنده الشجاعة الكافية إنه يجاوب؟ ولا أجاوب أنا بالنيابة عنكم؟ أجاوب أنا أفضل منعا للإحراج.. لأ مافيش حد بيحب الحكومة.

هكذا بدأ طاهر فصله المعنون بـ«ياحكومة .. أمك اسمها حنفى» والحكومة هنا هى كل ما له سلطة على الفرد .. الحكومة أى «الدولة» الزوجة، الحماة «أم الزوجة» وفى هذا الفصل بالذات يظهر بوضوح قسوة إيهاب طاهر على المرأة التى غالبا ما يهاجمها طاهر فى كتاباته، ليؤكد على ذلك فى الفصل التالى المعنون بـ«يا سامعة كلام أمك .. أمك اسمها حنفى» وتستمر موجة الهجوم على المرأة فى الفصل الأكثر سخونة «التطور الطبيعى للحاجة الساقعة والتطور الطبيعى للباس الحريمى».

وتحدث فيه طاهر عن تطور شكل الملابس الداخلية للنساء وخاصة الجزء السفلى «الأندر»، فيقول:: تطور الأمر ووصل لحد العبقرية فى «الكلوت» إلى أن أصبح «بكينى» وبسوسته من قدام وبأنوار ولمض وأول ما تلمسه يسمعك مقطوعة موسيقية، لكن الإعجاز والإنجاز كان فى القنبلة اللى غيرت عقد الناس وعند الستات والرجالة مفهوم «اللباس» لما تم اختراع «البانتى سترونج» أبو فتلة من ورا، وده كان الطفرة والتحول فى المفهوم السائد فى عقول الناس عن اللباس وشكله.

وكما فى الدراما هناك بداية ووسط ونهاية وحبكة .. نجد حبكة «أمك اسمها حنفى» فصل - فى اعتقادى - هو الأكثر جدلا وهو بعنوان «بغض النظر عن قطع البظر .. ختان اللسان» ولأول مرة نجد واحدا من المثقفين يطالب بختان الإناث، لكنه ختان من نوع آخر فهو ليس قطعا لبظر وليس هو قطع لجزء من اللسان بل هو يعني بختان اللسان عفته وطهارته منعا من أن تصير الفتاة «ست لسانها طويل» وللمرة الأولى أيضا تجد علاقة قوية بين «ختان اللسان» وحالة المرأة الجنسية، فستجد أن المرأة المشبعة جنسيا فى بيتها هادئة وصوتها منخفض وكلامها مهذب كنوع من الارتياح النفسى الناتج عن راحتها وراحة زوجها الجنسية التى تؤثر بشكل أو بآخر على حالتهما المزاجية، يبدو أن أديبنا الساخر إيهاب طاهر سوف يضع نظرية جديدة تربط بين الجنس والختان!!

وفى واحد من أكثر الفصول سخرية فصل بعنوان «الركيب» والركيب لمن لا يعرف هو «مسمط» أو محل شهير لبيع لحمة الراس والممبار والكوارع ويتسآل طاهر هل اسم الركيب مجرد اسم عادى؟ أم فعل؟ أم اختراع؟ أم هو تنويه خبيث لآثار الأكل داخل المسمط؟

تتمتع الساحة الأدبية الآن بمنافسة قوية فى مجال الأدب الساخر حيث ظهر في العامين الماضيين ما يربو عن الخمسين كتابا فى الأدب الساخر، لكن بكل تأكيد ليس كل ما يكتب أدبا ساخرا، فالأدب الساخر مثله مثل الكوميديا أو الملهاة فيرى أرسطو أن الكوميديا أو الملهاة هى محاكاة فعل هزلى ناقص .. يحصل به تطهير المرء بالسرور والضحك .. فخير للإنسان إذن أن يتطهر من انفعالات الضحك دون ضرر بمشاهدة أو قراءة ملهاة أو كوميديا .. فكان الإغريق يكتبون المسرحيات الكوميدية حول البخل وينتقصون البخيل ويضحكونا عليه كثيرا حتى نتطهر من فعل البخل، وكذلك يفعل الأدب الساخر يضحكنا على عيوبنا فنتطهر منها، وأظن إيهاب طاهر قد نجح فى أن يسخر من عيوبنا ويضعنا موضع المواجهة معها حتى نتطهر.


Image and video hosting by TinyPic

0 comments:

Post a Comment