توج
المصداقية باريس
كتب فواز عثمان
دخول صاحبة السمو الشيخة موزة لأكاديمية الفنون بفرنسا مرحلة مضيئة من العلاقات التاريخية التي تربط بين قطر وفرنسا والتي تعدت وفق أكثر من معني حدود الشراكة الاستراتيجية أو الاقتصادية لتزدهر في رحاب آفاق أبعد، وأرحب وأكثر حميمية؛ وعلي رأسها البعد الثقافي وفق هذا المعني بالذات يشكل تكريم سموها بهذا المنصب الذي من شأنه أن يخلد وجودها وذكرها في تاريخ فرنسا، وحتي الأبد، وفق قانون الأكاديمية نفسه، تخليدا لأواصر هذه العلاقة التي كتب لها أن تزدهر حتي الأبدية .
وهو التكريم والانتصار الذي يأتي تتويجا لجهدها الخلاق في مجال العلم والمعرفة ورعاية الفنون والثقافة، والبحث عن محاور يدور حولها مستقبل البشرية خارج أطر الصراع والنزاعات. هذه التي بلورت سموها العديد من آلياتها في مجال التربية والثقافة والفنون العديد عبر أكثر من قارة.وقد دخلت سموها الأكاديمية شامخة، حاملة رسالة سلام وتثاقف، ممثلة لموروثها وحضاراتها، بهية بلغتها وعنفوان انتمائها للأمة. حيث كانت رمزا لهذه الحضارة، وتكلمت باسمها، وجعلت الدموع تترقرق في المآقي أمام رسالتها الودودة والقادرة والمؤثرة.وقد أكد زملاؤها من الخالدين، الأكاديميين علي مختلف انتماءاتهم أو محاور إبداعهم واهتماماتهم، أن خطابها كان الأعمق والأكثر تأثيرا في تاريخ الأكاديمية بأسره. حتي أن القاعة قد ضجت بالتصفيق وقوفا لبرهة ، وعجزت سموها علي إيقاف تواصله، حيث كانت تجلس ثم تعاود الوقوف، وتعاود الجلوس، وتطلب من الجمع أن ينهي التصفيق، إلا أن حجم الزخم والكلم وعنفوان اللحظة كان أكبر من أن يتوقف التصفيق بشأنه عند حد المجاملة، وأن يتواصل ويتواصل ويتواصل حتي بدأ وكأنه لغة في ذاته، لغة التكريم المضاف، والإكرام، والإجلال لصاحبة الكلمة، ولتلك الكلمة المتجذرة في أعمق أعماق تربة التاريخ والحضارة العربية العريقة.ولعل أروع ما توج هذا الموقف التاريخي، هو وقوف سمو الأمير بذاته، فارعا في شهامة النبلاء، ليصفق ويصفق. تكريما واعتزازا بمقام عقيلته، وفخرا بهذه المكانة العالية والرفيعة التي احتلتها المرأة القطرية في عهده وتحت رعايته. ومن جانبه يشدد السكرتير الدائم للأكاديمية، أو الرئيس والأب الروحي لهذا الصرح العالمي، الأكاديمي والفنان التشكيلي الذائع الصيت آرنو دو أوتوريف، في حديث خاص لمجلة المصداقية علي هذا المعني، وأعتبر لحظة تنصيب سموها في الأكاديمية قفزة نقلت كل الحضور إلي عوالم من ضياء وأمل وزهور مشرقة، يأتي من الشرق الفياح العريق الأصالة والقيم العالية.وقال: إن الأكاديمية قد عاشت عرسا من ضياء، وكانت الاحتفالية قد نقلت هذا الشرق بكل عطوره وجماله وجلاله وقيمه إلي قبة هذا الصرح الحضاري، الذي هو محل فخر لفرنسا الحرية والجمال والعدل والمساواة".وأضاف: " إن خطاب سموها قد سحر المجلس، وقد سمعت أكثر من عضو من أعضاء الأكاديمية يشدد علي أن خطابها كان حتي الآن أفضل الخطب التي شهدتها هذه الأكاديمية. فهو في نفس الوقت خطاب عاقل حكيم وراسخ القدم، لكنه أيضا خطاب مثقف وحساس، وبدون مجاملات. لأننا كثيرا ما نسمع بعض الخطب الأكاديمية التي تخرج عن الكلم عبق روح، لتقصره علي العقلانية، وتحرمه من عصف العواطف التي تترك علي الجنب كما يقال. غير أننا مع خطاب سموها قد لمسنا أن ثمة إرادة حقيقية من طرفها في امتطاء هذه الحساسية، وذلك عبر كلماتها، وعبر كل المشاعر والعنفوان الذي كانت تبعث به وهي تتحدث عن الخلق والإبداع. عن صيرورة الفعل الحضاري الإنساني الذي يراكم بعضه لبعض في جدلية خلاقة ومستمرة، لعبت فيها الحضارة العربية والإسلامية دورا محوريا عبر تاريخ البشرية الحافل."واردف قائلا :" لقد كان خطابا رائعا، ونحن بطبيعة الحال سننشره ضمن منشورات الأكاديمية، وهو بكل تأكيد سيأخذ طريقه نحو الخلود ككل رموز الأكاديمية؛ وفق الشحنة التي يحملها من نسائم الود والانفتاح والرغبة في الإبحار بكل البشرية علي نفس القارب الذي يقدمه الفن والفكر والثقافة، أنه قارب الإبداع والمحبة والود الإنساني. وهو ما تنجح الفنون في خلقه عبر نجاحها في توحيد الذوق الإنساني حول نحو نفس الإبداع، ونفس الموسيقي أو نفس اللوحة الفنية . وقال: إن وجودها بيننا ثروة عظمي، وباب من نور فتح لنا مصراعيه علي حضارة الشرق، فهي بكل تأكيد ستفح لنا رؤية جدية، وتعددية مضافة تسمح للأكاديميين بالنظر في سياق التكامل والفهم عكس ما قد توحي به مسافة الاختلاف. وكما قال بول فالري قديما: يجب أن نتعلم كيف نستفيد من اختلافاتنا ، بحيث لا يجب أن تسبب الاختلافات، أو التعددية في الصراع أو الصدام، بل يجب أن تفتح بالأحري أمام الوجود آفاقا أخري، ورؤي أخري، ونحو ثقافات أخري..وثروات من كل فج عميق .
أما الأكاديمي أيف ميلكون، عملاق الفن الفرنسي، والرئيس السابق للأكاديمية، فيشرح من طرفه: لقد كانت لحظات من نور، قلما يعيشها الفنان خارج لحظة الخلق ذاتها، تلك التي نقلتنا إليها كلمات الشيخة موزة ونشعر اليوم بفخر لا تصفه الكلمات لوجودها بينا، وفق هذه الرسالة التي تحملها والتي أكد عليها خطابها بالمناسبة، تحت قبة هذا الصرح العريق . وقال: لقد تعرفنا علي مشوارها المهم، واليوم توضح لنا أن شخصها كنز مُضاف، أنها قيمة إنسانية عالية". وشدد قائلا: ونحن نرجو أن تتمكن سموها من تشريف إجتماعاتنا، لأننا نري فيها رافدا مهما لما ننهض به من مسؤولية تجاه الفكر والفن والحضارة بشكل عام. نحن نعرف أنها مشغولة ووقتها موزع علي مهام كثيرة تنتظرها، لكننا سنكون سعداء كل مرة تتمكن فيها من الحضور وتشاركنا جلساتنا .
من ناحية أخري يقول أيف ميلكون ل المصداقية : إن ما يزيدنا فخرا هو أن يعود هذا الشرف لسيدة عربية قادرة علي أن تؤسس لوشائج من الوصال الواثق، والذي يمكن له أن يربط بين الشرق والغرب، ويؤسس لصورة مضيئة عن حضارته العريقة، وحاضره الواعد من جهة، وأن يعطي صورة جديدة، عالية ورفيعة عن المرأة القادمة من هذه الفضاءات الضاربة بجذورها في عراقة الحضارة الإنسانية .
ومن جهته يتوقف الأكاديمي والموسيقار جاك تديل، أمام رونق أناقة سموها الراقية والسامية، وعذوبة شخصيتها الفخورة والواثقة. وهو يؤكد: أن سمو الشيخة موزة أثبتت اليوم بأنها تملك قدرة عالية علي الإقناع، وأن جهدا عاليا يسكن خطابها. علي النحو الذي كانت فيه الكلمات تأخذ في تعابيرها رسما سلسلا ومتناسقا لا تترك فيه جملة مساحة أقل أو أكثر لغيرها .
وشدد من ناحية أخري علي حرارة التزامها، وشجاعة تطرقها لمختلف الملفات التي تقلق تاريخنا الحالي. وقال: ونحن نتمني أن نراها بيننا كلما أمكن لها ذلك، لتثري بذكائها نقاشات مجلس الأكاديمية. فالكل يعتبر التحاقها بهذا الصرح إضافة مهمة .
أما الأكاديمي جاك روجوري، وهو من كبار المهندسين المعماريين في فرنسا، والذي يتميز بحساسية أهلته لدخول معقل الخالدين، فيعبر من طرفه ل الراية قائلا:
يا لها من لحظة رائعة هذه التي عشناها في خضم خطاب سموها. لقد كانت كلمة قوية، جبارة، وزاخرة بالشحنات لقد كانت بحق حزمة عملاقة من المعاني المؤثرة حتي الوجع، وحتي الدمع .
واستطرد مؤكدا: لقد انطلقت الشيخة موزة في جلالها، تعصف بالحضور في كلمات صادقة، ومعنية، ترسم ملامح تصورها لما يجب أن تكون عليه الإنسانية. وتذكر الجميع بحقيقة التاريخ، وصيرورة الحضارة. وكيف أن كل الفنون والثقافات إنما هي نتاج لتاريخ حافل من تقاطع وتلاقح حضارات الإنسان، عبر تاريخ الإنسانية. وهي في نهاية خطابها، قد أبحرت بالحضور تجاه زخم من العنفوان الذي يندر أن يتاح للمرء أن يعيش مثله. ورغم أنني قد حظيت بسماع الكثير من الخطب الذي يستند بالأحري إلي منطق القلب تحت هذه القبة، لكنني أصدقكم القول إن هذا الخطاب قد وصل لقمة الجمالية والمصداقية والحقيقة والدقة."فلقد استطاعت سموها أن تعبر عما تقصده من رسالة، بكثير من الأريحية والحرارة والمروءة. علي النحو الذي جعلتنا معه نعيش، جميعنا، لحظة من العنفوان الوجودي الذي مازلتُ حتي هذه اللحظة، وبعد ساعة أو أكثر من انتهاء الخطاب، أستشعر سريانه في أعماقي، والذي جعل عيني تترقرق بدمع حنون . وشدد: أنها سيدة راقية العطاء الداخلي، تحمل في أعماقها شحنة من الصدق الإنساني النادر، لذلك فنحن جد سعداء بانضمامها إلي مجلسنا، لأننا علي يقين بأننا سنكون أقوياء بها .
ومن جانبه يقول السيد روجيه تايبيره، عملاق الهندسة المعمارية في فرنسا، ونائب رئيس الأكاديمية: لعلني قد قلت كل ما يمكن لي أن قوله بشأن عظمة هذه اللحظة، عبر كلمة الترحيب التي ألقيتها في حضور سموها، وبمناسبة تسليمها سيف الأكاديمية الذي سيخلدها مع عظماء الخالدين. لكنني أود أن أضيف بأن سموها قد تمكنت من خلال خطابها بهذه المناسبة، من زعزعة أفكار الكثير من رموز الغرب، ومن رموز الأكاديمية أنفسهم. فعبقرية سموها، وقدراتها المعرفية البالغة الدلالة، علي الصعيد العلمي والثقافي أو علي صعيد علاقاتها مع الفنون أو مبادراتها باتجاه السلام في العالم، توضع كنجم ساطع في سماء صافية. وهي قد استطاعت، وبأريحية قادرة وعبقرية، أن تدخل إلي عقول الأكاديميين نظرة جديدة نحو مستقبل الثقافة علي الأرض .
وشدد: علي أن مشروع سموها يطرح الثقافة كآلية ضرورية لصنع السلام في العالم، وان المقاربة بين الفن الإسلامي؛ من بغداد الي قرطبة، وما ازدهر من فنون في الغرب، عبر تراكم خلاق لعب فيه الفن الإسلامي دورا أساسيا في حيوية وحراك ما تشهده كل أوروبا اليوم، لخير دليل علي ما يمكن أن نتصوره لمستقبل الفنون والثقافات في الغد إذا ما عرفت أن تتفاعل في تكامل خلاق.
وأضاف: إن ما تقترحه سموها يؤسس لخط سير قادر علي بلورة "حلم جيد" لهذا الجيل، وأمل جديد للبشرية لن يكون إلا من خلال هذه البراعم التي يجب أن تترعرع في حضن الفن الإنساني الخلاق، القادر علي أن يجمع ويقارب ويزهر الأرض بحدائق من زهر وعنبر، وأريج سلام فواح.
أما رئيس الأكاديمية النحات الفرنسي المشهور البرفسور أنطوان بونسيه، فهو يلخص من طرفه هذا الحدث التاريخي الذي أدخل سمو الشيخة موزة لعالم الخالدين عبر بوابة الفن والثقافة، في هذا الصرح الكبيرمؤكدأ: "لقد عشنا لحظة رائعة، ساعة من زمن آخر، ونقلة وجودية باتجاه المطلق، وفق تلك القدرة الخارقة التي تملكها سمو الشيخة موزة في الولوج بحضورها وكلماتها إلي أم الروح.
وشدد السيد رئيس الأكاديمية علي أن قبول سموها لهذا التكريم، هو تكريم مضاف لهذا الصرح، وهو من ناحية أخري تتويج لجهودها الجبارة في خدمة الفن والمعرفة والثقافة في العالم.
وأضاف: وبالتالي فإن سعادتنا اليوم بأن يتحقق التحاقها بركبنا لا يمكن وصفها إلا من خلال لغة الفن ذاتها؛ أي بلغة القلب والروح. فهي قد نجحت في الإبحار بنا عبر خطابها إلي آفاق عالية ورفيعة، وتمكنت وفق كل الهموم التي انتصرت، وحملتها علي جناح من الود في خطابها من أن تلمس شغاف قلوبنا واستطرد: لقد كانت قريبة من اهتماماتنا، بل كانت تطرق عمق عمق ما يشغلنا ويعصف بأعماقنا. ألسنا جميعنا نهدف لتحقيق التقارب والتناغم بين الشعوب والحضارات والأديان، أليست تلك هي الهموم التي طالما دافع عنها، وعانقها الفنانون في أعمالهم وبحثهم الخلاق. إن ما جاء في خطاب سموها قد بعث في أعماق كل الحضور مشاعر فياضة بالإيمان بما يمكن للفن والفكر والثقافة أن يخلقه من روحانيات، تجمع الروح البشرية علي باب من نور يؤدي لنفس الراحة والاستراحة. وأن كل الأديان، والأعراق والثقافات واللغات يمكن لها أن تنصهر في بوتقة الإبداع، وتلتحم في لغة الفن وعشق رحيقه العذب والخلاب. إنها امرأة عظيمة، ذات رونق وهبة وكاريزما استثنائي، ونحن قد سعدنا بها، وبحديثها العذب القادم من أعماق القلب الإنساني، حتي أننا كنا جميعا قد أبحرنا مع مقولاتها نحو عوالم من نور وأمل وضياء، لقد جعلت الدموع تترقرق في كثير من العيون، لأنها قد لعبت بكلماتها علي أوتار الروح الإنسانية .
Friday, June 26, 2009
الشيحة موزة ابكت الفرنسيين
مجلة المصداقية السياسية
on 6:50 PM
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
0 comments:
Post a Comment