التوريث
بمناسبة الحديث المتزايد عن حل مجلس الشعب الحالي أتحفنا الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس المجلس الموقر الحالي أيضاً بفتوى دستورية كهربائية ألمعية بشأن الواجبات والحقوق الرئاسية في حل وتركيب المجالس البرلمانية، تمثل فتحاً و«افتكاسة» فقهية جهنمية لم يسبق سيادته إليها أحد في دنيانا الواسعة ربما منذ عرفت المجتمعات الإنسانية اختراع الدساتير بنوعيها الجاهز والتفصيل!!
فقد تناول معالي الدكتور أحمد فتحي، في تصريحات تليفزيونية أدلى بها الأسبوع الماضي، المعاني الكامنة والتفسيرات الراقدة خلف صياغة المادة 136 من الدستور في صورتها المعدلة التي أبقت على حق رئيس الجمهورية في حل مجلس الشعب «للضرورة» وألغت الاستفتاء الشعبي على قرار الحل رأفة بالناخبين خصوصاً الذين قد يتركون وراءهم كوم لحم وعيال صغيرين لسه في المدارس.
ومن المعلوم أن هذا النص المعدل جرى تمريره بالعافية عام 2007 من مواسير الوطن ضمن سلة تعديلات دستورية شملت 34 بنداً في الدستور القائم الذي تورطنا ذات يوم أسود في طلب تغييره طمعاً في انهاء وإزالة رواسي وقواعد الحكم الاستبدادي الديكتاتوري الفاسد قبل أن يتحول إلى حكم عائلي بهيج، فإذا بهذه التعديلات تداهمنا بالليل والدنيا ضلمة ولا تكتفي بتعميق أسس الديكتاتورية العائلية السعيدة وإنما تصنع نظاماً «فنشكونياً» نادراً يشبه بواقى الطبيخ الحمضان!
وأعود إلى فتوى الدكتور سرور فهو تفضل وشرح لمشاهديه كيف أن سلطة الرئيس حسنى مبارك بالذات في حل مجلس الشعب يستمدها سيادته من صفتين اثنتين يتمتع بهما، أولاهما صفته كرئيس للدولة يحق له - كما أي رئيس آخر- اتخاذ قرار حل المجلس «للضرورة» التي أوضح معناها مستخدماً مثالاً واحداً هو حالة نشوب خلاف وشجار بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وحيث إننا لا نملك ولم نتشرف أصلاً بمقابلة أي من السلطتين ولا نعرف - في الواقع المعيش- سلطة أخرى سوى سلطة الرئيس ونجله، فقد أدرك الدكتور سرور أن حل المجلس بهذه الذريعة غير وارد ولا مستساغ وممكن جداً يموت الناس من الضحك فلا يعود هناك لزمة ولا معنى لتضييع الجهد والمال في اختراع مجلس جديد يدعى تمثيل ناس ماتت فعلاً، لهذا انتقل معالي الدكتور بسرعة إلى الصفة الثانية التي ابتكرها واعتبرها تخص الرئيس مبارك كحالة خاصة ومتفردة ومنبتة الصلة بالنظم السياسية والدستورية عموماً، هذه الصفة هي كون الرئيس «زعيماً وقائداً سياسياً» قد يرى أو يفكر أو يتخيل ويظن في أي لحظة تاريخية دقيقة أن حل المجلس الموقر شيء مفيد في علاج الكحة ويسمح ببدء «مرحلة جديدة في الحياة السياسية المصرية»، وليس أية حياة أخرى مثل الحياة الآخرة أو الحياة السياسية الصومالية أو الدنماركية وخلافه!!
ولست أستبعد أن يحاول البعض تأويل هذه الفتوى بما فيها من إبداع فقهي دستوري وفني كذلك، على أنها تسويغ وتبرير تطوع به الدكتور سرور لتوفير غطاء «حلمنتيشي» واقي من حر الصيف وبرد الشتاء يستطيع أن يتغطى ويتدثر به المخطط الشائع عن نقل السلطة وراثياً إلى السيد جمال مبارك، لكني بحكم معرفتي وثقتي غير المحدودة في نجابة ونباهة وسعة علم الدكتور أحمد فتحي واطلاعه العميق على الفقه القانوني والدستوري، أؤكد وأجزم لهؤلاء «البعض» أن هذا التأويل ظالم وبعيد تماماً عن الحقيقة لسببين منطقيين اثنين على الأقل، الأول أن توريث الحكم من الأب الرئيس إلى النجل رئيس ومؤسس «السياسات» الكارثية إياها، لا يبدو محتاجاً إلى التدثر بأغطية لا سياسية ولا دستورية ولا حاجة أبداً، وإنما يكفيه فقط قواعد وأحكام الأسرة والمواريث ثم كان الله بالسر عليماً!!
والسبب الثاني، أنه، وعلى فرض جدلي أن الدكتور أحمد فتحي كان يقصد بفتواه الدستورية سالفة الذكر ترك الباب مفتوحاً أمام احتمال التعجل بتوريثنا في هذه الأيام المفترجة للأستاذ النجل، فقد كان بإمكانه بسهولة ودون أية مصاريف أو أعباء مالية زائدة، إضافة صفة ثالثة للرئيس مبارك بجانب صفتي الرئاسة والزعامة ألا وهي صفة سيادته كأب ورب أسرة وكبير عائلة، غير أن الدكتور سياسي وبرلماني ومحامى شاطر وعارف كويس جداً الحدود والفروق بين السلطات الدستورية للرؤساء، والقيادة والزعامة المعقودة دائماً وأبداً للحكام في بلادنا مهما كانوا وكيفما أتوا، وبين الصحة الإنجابية للعاهل الكوري الشمالي الذي كان والده المرحوم «كيم إيل سونج» زعيماً محبوباً من 40 مليون نسمة هم كل سكان الكورتين في النصف الأول من القرن الماضي، فضلاً عن 40 طالباً وطالبة في كلية الهندسة جامعة القاهرة، و.. كل عام وأنتم بخير
Wednesday, July 1, 2009
جمال فهمى ،،،الصحة الإنجابية الرئاسية الدستورية الوراثية
مجلة المصداقية السياسية
on 10:06 PM
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
0 comments:
Post a Comment