Saturday, December 19, 2009

ليفني وابتزاز بريطانيا






من سخريات هذا الزمن الرديء ان تهدد إسرائيل بريطانيا بعدم إشراكها في “عملية السلام” اذا لم تتخذ اجراءات لمنع ملاحقة مسؤولين إسرائيليين امام محاكمها، بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين والعرب عموما في الاراضي المحتلة ولبنان، وكأن عملية السلام تسير على قدم وساق، وكأن بريطانيا ستصبح جمهورية موز اذا نفذت إسرائيل تهديداتها.
فإسرائيل التي تدين بوجودها واستمرارها الى التواطؤ البريطاني باتت تتطاول على اليد التي اطعمتها وانشأتها، وتفرض عليها ما يجب، او ما لا يجب ان تفعله، وتتدخل بصلافة في نظامها القضائي واحكامه، وهي الخاسر الأكبر من حملة الابتزاز التي تشنها حاليا ضد بريطانيا، فوجود الاخيرة طرفا في عملية السلام كان دائما لمصلحة إسرائيل وضد العرب. كما أنها المستفيد الاكبر اقتصاديا من العلاقة معها، لانها تعتبر واحدة من أكبر أسواق بضائعها.
تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة وزعيمة حزب كاديما ارتكبت جرائم حرب ضد الانسانية في قطاع غزة، واذنت لجيشها باستخدام قنابل الفوسفور الابيض، وافتى حاخام الجيش الإسرائيلي بقتل العرب دون اي رحمة او شفقة.
ادانة ليفني وجميع جنرالاتها وكل مسؤول إسرائيلي شارك في العدوان على قطاع غزة، جاءت في تقرير ريتشارد غولدستون القاضي اليهودي الجنوب افريقي، الذي كان في اعتقادنا رحيما بالدولة العبرية ومجرميها، وكان يجب ان يكون اكثر شدة في اتهاماته لهم بارتكاب جرائم حرب، فقد شاهد العالم بأسره الاجرام الإسرائيلي في ابشع صوره بالصوت والصورة عبر شاشات التلفزة العالمية.
القوانين البريطانية التي استند اليها القاضي البريطاني اثناء اصداره مذكرة اعتقال في حق ليفني اصدرها اليهود انفسهم، وفرضوها على جميع الدول الاوروبية بعد الحرب العالمية لحماية بني جلدتهم، ولملاحقة مجرمي الحرب النازيين الذين شاركوا في المحرقة (الهولوكوست) والانتقام منهم.
لم يخطر في بال هؤلاء وقادة الدولة الإسرائيلية انهم سيشربون من الكأس نفسه، ويواجهون العدالة نفسها، وبالتهم نفسها، وفي الدول نفسها، لانهم ارتكبوا جرائم وحشية، ترتقي الى مستوى جرائم النازية في حق اناس ابرياء عزل، سرقوا ارضهم وشردوهم في المنافي ومخيمات اللجوء، ثم لاحقوهم بقنابل الفوسفور الابيض، بعد ان فرضوا عليهم حصارا تجويعيا بموافقة “العالم المتحضر” ومساندته.
***
الخارجية الإسرائيلية، التي تمثل الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، حسب تصنيفات الحكومة البريطانية ونظيراتها الاوروبية، استدعت السفير البريطاني في تل ابيب للاحتجاج على اجراء قانوني صرف، واصدرت بيانا قالت فيه انها ترفض الاجراءات القضائية “المغرضة” التي اتخذتها محكمة بريطانية ضد تسيبي ليفني بمبادرة من عناصر “متطرفة”.
سبحان الله.. هذه الخارجية التي تمثل دولة خارجة على القانون، لا يزيد عمرها عن ستين عاما، تشكك بقانون بريطاني تمتد جذوره الى اكثر من ستمئة عام على الاقل، وترفض الالتزام بأحكامه، وهي التي استفادت منه ومن اجراءاته حتى قبل قيامها.
والاكثر من ذلك ان متحدثا باسم الخارجية الإسرائيلية استغرب هذه الاجراءات القانونية البريطانية، لان الدولتين، اي بريطانيا وإسرائيل، تخوضان حربا مشتركة ضد الارهاب، ولا نعرف ارهابا اكثر شراسة ودموية من الارهاب الإسرائيلي، وحتى لو كان قول المتحدث الإسرائيلي صحيحا، فهل هذا يعني ان تعطل الحكومة البريطانية جميع دساتيرها وقوانيها واعرافها من اجل سلامة مجرمي الحرب الإسرائيليين؟
الإسرائيليون، مجرمي حرب كانوا او اناسا عاديين، يعتقدون انهم من نسل الآلهة، يتصرفون وكأنهم فوق جميع القوانين الوضعية والسماوية، يقتلون ويدمرون ويستوطنون ويستخدمون الاسلحة المحرمة دوليا، وهم مطمئنون الى الدعم الغربي غير المحدود لهم، وهذا وضع يجب ان يتوقف، لان الكيل قد طفح خطرا وارهابا وتهديا لمصالح الغرب الاقتصادية والامنية، علاوة على كونه موقفا غير اخلاقي.
الجنرالات الإسرائيليون الذين تزدحم صدورهم بالنياشين والأوسمة التي حصلوا عليها بفضل قتل الابرياء والعزل، واستخدام الاطفال والشيوخ كدروع بشرية في مقدمة دباباتهم، باتوا في حال رعب، لا يستطيعون ان يتجولوا في العواصم الاوروبية بحرية وأمن، والفضل في ذلك يعود الى مجموعة من النشطاء العرب والمسلمين الذين قرروا ان يتعاملوا مع الغرب بلغته وقوانينه، وبعيدا عن مساعدة الانظمة العربية الفاسدة والدكتاتورية.
فإذا كان من حق اليهود والإسرائيليين ان يقيموا “مركز روزنتال” لمطاردة مجرمي الحرب النازيين ويقدموهم الى العدالة، وينفذوا فيهم احكاما بالشنق (ايخمان عام 1961) حتى لو تجاوز بعضهم الثمانين عاما (جون ديمانيوك الذي يحاكم حاليا في المانيا)، فانه من حق العرب والمسلمين، وكل انصار العدالة في العالم ان يطاردوا مجرمي الحرب الإسرائيليين، سياسيين كانوا او جنرالات، وتقديمهم الى العدالة، وتلقي جزاء شرورهم وجرائمهم.
***
نعترف ان مصيبتنا في حكوماتنا، فبينما يستطيع النشطاء المناصرون للعدالة وحقوق الانسان رفع دعاوى ضد ليفني وباراك وموفاز امام محاكم اوروبية، فإنهم لا يستطيعون فعل الشيء نفسه في عواصم عربية، ليس لان معظمها يفتقد الى النظام القضائي المستقل، وتحكم من قبل قوانين الطوارئ، وانما لان هذه الحكومات تخاف من ليفني وشركائها اكثر مما تخاف ضميرها او خالقها او شعوبها.
فبينما يرفض اللاعب المغربي مروان الشماخ مشاركة فريقه في مباراة ضد فريق إسرائيلي في حيفا، ويقول انه انسان مسلم لا يطاوعه ضميره ان يلعب في بلد يقتل جيشها اشقاءه الفلسطينيين، نشاهد ابن وزير خارجية بلاده يدعو تسيبي ليفني للمشاركة في ندوة سياسية في طنجة، ويفرش لها السجاد الاحمر. والاكثر من ذلك ان الدكتور رفيق الحسيني مدير مكتب الرئيس محمود عباس في رام الله، المشارك في الندوة نفسها، يعانقها بحرارة شديدة امام عدسات الصحافيين والمشاركين الآخرين دون خجل او حياء.
اللوبي الإسرائيلي سيحرك كل اسلحته ضد الحكومة البريطانية، من اجل تعديل النظام القضائي، ووقف مطاردة مجرمي الحرب الإسرائيليين واعتقالهم، وهذا التعديل يتطلب موافقة مجلس العموم اولا، ومجلس اللوردات ثانيا، مما يعني اننا امام معركة سياسية قضائية طويلة ومعقدة، تتطلب تحركا مضادا من قبل العرب والمسلمين وكل انصار حقوق الانسان في العالم.
أملنا الكبير في ابناء الجاليات العربية والإسلامية، والخبرات الوطنية والانسانية العريقة في اوساطها، للتصدي لهذا اللوبي الإسرائيلي، مثلما تصدوا له في الجامعات البريطانية، حيث نجحوا في فرض المقاطعة الاكاديمية للجامعات الإسرائيلية، ومثلما نجحوا في فرض مقاطعة أشد على بضائع المستوطنات الإسرائيلية وفي عدم اعفائها من اي تسهيلات ضريبية.
في جميع الاحوال، يمكن القول، وباطمئنان شديد، ان حملات التضليل والخداع الإسرائيلية للرأي العام الغربي لم تعد تحقق النجاحات الآلية، مثلما كان عليه الحال في السابق، ليس بسبب الاجيال الجديدة من المهاجرين من ذوي العقليات المنفتحة والعلمية، وانما ايضا بسبب ادراك الغرب للخطر الذي تشكله إسرائيل على أمنه واستقراره، بفعل جرائمها في حق الانسانية، وجره الى حروب لا يمكن كسبها، علاوة على تكاليفها الباهظة ماديا وبشريا.





Image and video hosting by TinyPic

0 comments:

Post a Comment