Saturday, April 3, 2010

مصر النهاردة لم يحضر احد ،،،، خالد بركات



المراقب لتطورات المشهد السياسي والاجتماعي في مصر يرى بوضوح مدى الرخاوة التي اصبحت تظلل مؤسسات الدولة المصرية مقابل التغول المستمر للرأسمال المحلي والاجنبي وتطاوله على خيرات وموقع مصر ومكانة المصريين ومستقبل الدولة المصرية ومؤسساتها التشريعية والقضائية. ويمكن القول، ان ضعف الدولة المصرية، في الداخل، تعكسه بالضرورة صورة مشابهة (مطابقة) في الخارج، فالعلاقة وطيدة ومتبادلة، وما نقوله هنا يؤكده التوتر الرسمي المصري في التعامل مع كل قضايا المنطقة والمحيط تقريبا وتبرهن عليه حالة التراجع التي صارت سمة ملازمة للدور المصري الرسمي، حتى لو حاول النظام في القاهرة التمترس خلف شعارات 'الاولويات الوطنية' التي يفشل في تحقيقها الواحدة تلو الاخرى.
تراجع الدور المصري مسألة لا يختلف عليها اثنان في الجماعية الوطنية المصرية، هي حقيقة لا تخضع لمنطق التبرير، وواقع يرصده الانسان المصري اولا والاكثرية الساحقة من شعوب الامة العربية والمثقفين والمفكرين المصريين والعرب، وتؤكدها التقارير الدولية والاقليمية وعلى رأسها تقرير منظمة الشفافية العالمية وتقارير التنمية البشرية السنوية بما فيها تلك التي تصدر عن مؤسسات تابعة للدولة المصرية نفسها ومراكز البحث العلمي في مؤسسات قومية مصرية في القاهرة.
ان تراجع الدور المصري حيال القضية الفلسطينية وفي المسألتين العراقية واللبنانية شكل ربحا صافيا للعدو الصهيوني، والمعادلة واضحة، فما تخسره مصر يجنيه أعداء مصر. تماما كما تخسر مصر الان 12 مليون جنيه يوميا في صفقة بيع الغاز المصري لاسرائيل وباسعار تفضيلية ومخفضة. وعليه، يشكل التراجع المصري الرسمي في الداخل وفشله في حماية الدولة حجة كبرى للقوى الشعبية المصرية التي تسعى لاحداث عملية التغيير الديمقراطي المنشود في اكبر بلدان العرب. ويقول هؤلاء وهم على حق ان قوة مصر في الداخل هو الذي سيؤمن لها الدور القيادي والريادي في المنطقة والاقليم وفي افريقيا وعلى الساحة الدولية وهو ما سيعيد مصر الى الحضن العربي والاسلامي الشعبي.
تقف الدولة المصرية عاجزة امام حالة الفساد الذي يقضم قطعة جديدة من قوت الشعب ومن مؤسسة الدولة نفسها. ويشير المفكر العربي الكبير المستشار طارق البشري بان ما يحدث في مصر هو 'إدارة للفساد ' وليس مجرد 'فساد ادارة' وان عملية التآكل للقطاع العام وصلت حدا 'تجرأ فيه الراسمال على الدولة' ومؤسسات القطاع العام بسبب 'رخاوتها التي تغريه' كما يذهب الاقتصادي والمفكر د .جلال امين. وحين تسمع وتقرأ عن فساد بعض الوزراء وكبار رجال الدولة، بل واعضاء في مجلس الشعب يقوم احدهم بتهريب اجهزة تليفونات محمولة يمكنك ان ترى كيف نخر الفساد السلطة التشريعية والتنفيذية في البلاد، وكيف تجري محاولات إفساد وتطويع القضاء المصري المعروف بقوته الاخلاقية والمعنوية، لكن هذه قصص يومية وعادية وهي ليست بعيدة كثيرا عن الفساد الضارب في كل مكونات النظام العربي الرسمي تقريبا!
تكتوي الطبقات الشعبية في مصر بنار الاسعار وغياب التنمية الحقيقية. فالخبز او 'العيش' كما يسميه المصريون مسألة تؤرق الناس صباح مساء، ويئن الملايين من المصريين في بطن هذا الغول الكبير الذي يسمى (الفقر). ولا حاجة للتذكير بما وصلت اليه احوال التعليم وتردي المرافق والخدمات الاجتماعية والقطاع الصحي. ان ما حل بالطبقة الوسطى في البلاد هو خير دليل على اتساع حجم الفجوة بين الاغنياء والفقراء فضلا عن زيادة البطالة ومعدلات التضخم والتسمين المستمر للدين العام الذي بلغ حوالي 200 مليار دولار، سوف يدفعه المواطن المصري من عرق جبينه ومن زيادة الضرائب وارتفاع الاسعار وانخفاض مستوى الدعم الحكومي.
هذه الفجوة هي المسافة الفاصلة بين من يملك ومن لا يملك. بين الاسياد والعبيد، بين من يتمسك بكامب ديفيد ومن يريد دفن هذه الاتفاقية. فجوة تتسع بسرعة حيث يشتد التناقض الصارخ بين معسكر'عز' نسبة للملياردير المصري أحمد عز صاحب شركات الحديد والعضو البارز في الحزب الوطني الحاكم وبين الاكثرية الشعبية المصرية المطحونة والتي فقدت الامل في التغيير الديمقراطي من خلال مؤسسة النظام القائم او في ظل قوانين الدستور التعجيزية المرسومة سلفا لابقاء الوضع على ما هو عليه. لكن الاحداث والظروف الموضوعية المحيطة تقول بضرورة التغيير وارهاصات ما يشبه الثورة الاجتماعية في مصر.

البرادعي وحركة التغيير

تكشف احوال مصر عن معارضة سياسية تقليدية شاخت وفقدت مصداقيتها في الشارع المصري وهي لا تخيف السلطة ولا تؤثر في قرارها. وهناك مؤشرات لصفقة تعقدها بعض هذه الاحزاب مع الحزب الوطني الحاكم بغية التصدي لشبح جديد اطل برأسه من خلف الستارة اسمه 'محمد البرادعي '، ومهما حاولت هذه الاحزاب اخفاء امتعاضها من وجود الرجل فان المتابع للسياسة المصرية يرى ذلك بوضوح شديد. هذه الاحزاب لا تعدو عن كونها ' صحيفة ومقر وامين عام ' وجوقة من الاصدقاء والمريدين، وهي الان تلعن ' الفردية ' و'النرجسية ' التي صارت عدوا لها، وهي اسماء حركية لشخص محمد البرادعي الذي ' بخ ' في اذن المشهد السياسي الراكد.
الحراك الشعبي في الشارع المصري بدأ يستعيد عافيته بعد ما شهده من تراجع نسبي ملحوظ في نشاط الحركات المستقلة الشعبية والمبشرة في مصر بعد العام 2003، خاصة حركة كفاية وحركة 6 ابريل والجمعيات واللجان النقابية والحركة المناهضة للتوريث وحركة 'لا لبيع مصر' وغيرها من الحملات الشعبية ذات المصداقية العالية والتي يشارك فيها القضاة والمفكرون. لكنها حركة دون العمق الشعبي المطلوب. ولم تتحرك المياه في المشهد السياسي المصري الداخلي الا بعد الخطوة الجريئة والشجاعة التي اقدم عليها الدكتور محمد البرادعي الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية باعلانه نية الترشح للانتخابات الرئاسية في مصر. وحسنا تفعل هذه القوى في دعمه وتأييده سيما عنصر الشباب من الجنسين.
ما يسميه المصريون 'بخطوة البرادعي' سوف تشجع على تحريك الحياة السياسية المصرية بعد موت سريري لعقود طويلة، وتعيد حركة التغيير في مصر الامل للشارع وتعزز مكانته وتشكل ضغطا مستمرا على سياسات النظام. لكن هذا كله لا يكفي دون اعلان حملة البرادعي والقوى التي تناصره موقفا صريحا من الهيمنة الامريكية والاسرائيلية والسعي لتخليص مصر من قيود هذه الهيمنة وعلى رأسها فكاك مصر من اتفاقيات كامب ديفيد. ان استعادة دور مصر عبر القوة الشعبية المنظمة هو الذي سيفرض حالة جديدة على الواقع السياسي ويضع النظام امام استحقاق وجودي لا مفر منه، عليه ان يختار بين بقائه او بين اجراء التعديلات الدستورية المطلوبة وتوفير الاجواء الداخلية المناسبة لاجراء الانتخابات النزيهة وباشراف قضائي مستقل وتحت رقابة شعبية مصرية ودولية.

غزة الصغيرة تحاصر الدولة الكبيرة

في الحصار المفروض على قطاع غزة تنكشف اكثر الارادة و(الادارة) المصرية الضعيفة امام سطوة الهيمنة الامريكية والاسرائيلية، وتتكشف ايضا عجز السلطة امام الشعب المصري اولا والامة العربية. فالنظام يرى في قطاع غزة مصدر تهديد له لانه يكشف عوراته وليس لان من يحكم القطاع هم ' جماعة الاخوان المسلمين ' كما يقال، فحتى لو كانوا من بلاد الواق الواق فان النظام المصري سوف يكون جزءا حيويا من سياسات امريكية صهيونية تهدف لمحاصرة القطاع وتقوم بتنفيذ السياسة والاملاءات الامريكية وترضخ (حبا وسرا وطواعية) لضغوط الخارج.
يحدث ذلك في وقت يرى فيه الشعب المصري ان مصدر الخطر الحقيقي عليه والذي يهدد مصر ودورها هو الخطر الامريكي والاسرائيلي، فهذا المعسكر هو الذي يريد لمصر ان تبقى رهينة وضعيفة ومستلبة الارادة. لان هذا المعسكر يعرف حجم الكارثة التي ستحل به وبمشاريعه ومخططاته لو نهضت مصر العربية. ليس مصر من سيتغير وحسب بل العالم العربي باسره وابعد وابعد.
تكشف 'غزة' عن حالة ومستوى التبعية التي غرقت فيها نخب النظام العربي وخاصة الطبقة الحاكمة في مصر للموقف الامريكي والاسرائيلي، خاصة بعد ان شرعت في بناء الجدار الفولاذي على الحدود مع قطاع غزة وقامت بالتضييق على الشعب وقوى المقاومة في آن واحد.
ترمي غـــزة اسئلة نحو الداخل المصري وهي تهز الضمير الشعبي الذي راح يسأل: لماذا نعجز عن فتح بوابة رفح؟ ومن سؤال ضيق ينفتح الباب واسعا امام اسئلة كبرى تتصل بالسيادة الوطنية والامن القومي ومياه النيل والعمق العربي والافريقي الخ. وبدل ان يقوم النظام بترميم وضعه، في الداخل، والتصدي لاسرائيل في 'حتة البوابة' على الاقل، يذهب نحو طريق اخر، وينحاز للرؤية الامريكية ونصرة السلطة الفلسطينية التي يمثلها الرئيس محمود عباس في رام الله.



Image and video hosting by TinyPic

0 comments:

Post a Comment