Wednesday, August 4, 2010

ليبرمان ودولة غزة المستقلة

Digital Video DiskImage via Wikipedia
ثار في وسائل الإعلام هذه الأيام عما يعرف بـ "خطة ليبرمان" لإسقاط السيطرة الإسرائيلية عن قطاع غزة، وتسليم مسئوليتها إلى المجتمع الدولي، المتمثل في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بقوات حفظ سلام وكذلك قوات كوماندوز دولية لحفظ الحدود وحماية الأنفاق، فقد اقترح وزير الخارجية الإسرائيلي تلك الخطة في 16 يوليو بأن تعترف إسرائيل بغزة على أنها دولة غير محتلة، وضمان التعاون من الاتحاد الأوروبي لإعادة بناء غزة وتخلي إسرائيل عن كافة مسئولياتها تجاه القطاع الساحلي، بما في ذلك رفع الحصار البحري عليها. وهي خطوة قوبلت بالرفض الفلسطيني





من كل من حماس وفتح ـ لما تحتويه من مخاطر جسيمة على القضية الفلسطينية، حيث تهدد بفصل غزة عن الوطن الأم باعتبارها كيانًا خاصًا ومنفصلاً، يخضع لسيطرة أممية، بمخاطر أن يتم إلقاء مسئوليتها في النهاية على مصر، بعد أن يتم فصلها عن فلسطين وتصبح كيانًا عائمًا لا يجد دولة أم تنتمي إليه، وقد سارع المتحدث باسم حماس سامي أبو زهري لإدانة الخطة، قائلاً أنها محاولة من إسرائيل للتخلي عن مسئولياتها عن قطاع غزة وإغلاقها وعزلها عن بقية أرض فلسطين.
والتاريخ أثبت لنا أن الفكر الاستراتيجي الصهيوني يعمل على مبدأ أساسي منذ بداية نشأة الكيان الغاصب على أرض فلسطين، فهو يهدف إلى تفكيك وتفرقة العرب والمسلمين سواء كان ذلك بالسلام أم بالحرب، وقد نجح في ذلك إلى حد بعيد، خاصة بعد اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، والتي تحولت القضية بعدها من صراع عربي إسرائيلي إلى صراع فلسطيني إسرائيلي، واليوم تهدف إسرائيل إلى تصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية، وحصر الصراع بين إسرائيل وقطاع غزة على حدة، وإسرائيل والضفة على حدة.
وقد تعرضت السمعة الإسرائيلية مؤخرًا إلى انتكاسة كبيرة في مجال العلاقات العامة، حيث ظهرت إسرائيل بوجهها القبيح أمام العالم أجمع بعد مأساة أسطول الحرية الذي راح ضحيته 19 ناشطًا من أجل السلام من مختلف الجنسيات، وهو ما أدى إلى تسليط الضوء على ذلك الكيان الغاصب الذي يعد قوة احتلال رغم انتهاء عصور الاستعمار، وأنه يتعامل بالقوة المفرطة والغاشمة ضد المدنيين بصرف النظر عن جنسياتهم وأديانهم.
لذا تهدف إسرائيل الآن إلى تجميل وجهها القبيح بأن تنزع عن نفسها صفة الدولة المحتلة بتسليم مسئولية قطاع غزة إلى المجتمع الدولي، وبذلك تكون حققت عدة أهداف في آن واحد:
· إذا نجحت الخطة فبذلك تكون إسرائيل تخلصت من كابوس أمني يؤرقها وتنزع عن نفسها صفة المحتل في الوقت ذاته، وتكون قد ارتاحت من كابوس حركة حماس حتى ولو بعد حين.
· إذا لم تنجح الخطة تكون إسرائيل أظهرت للمجتمع الدولي أنه حتى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي فشلا في السيطرة على حركة حماس وفشلوا في نزع شوكتها، وحتى إذا أعيدت السيطرة الإسرائيلية على غزة مرة ثانية، فهي بذلك تكون قد أظهرت للعالم أنها تخلصهم من مشكلة أمنية وتحمل عبئها بمفردها، بعد أن فشل المجتمع الدولي في ذلك، وتستمر هي في حصار غزة من جديد، ولكن بغطاء دولي وشرعي هذه المرة.
· وفي كلا الحالين ستظره إسرائيل أمام المجتمع الدولي انها تبذل "تنازلات مؤلمة" على غرار تلك التي بذلها شارون عام 2005 عندما انسحب عسكريًا من غزة، كما ستنال رضا الولايات المتحدة وأوباما بعد الصدع في العلاقات بين الجانبين بسبب الإصرار الإسرائيلي على الاستمرار في حصار غزة وبناء مستوطنات جديدة في الضفة.
وتمثل خطة ليبرمان توجهًا جديدًا من إسرائيل للوصول إلى أهدافها السابقة، فحتى وقت قريب كانت الاستراتيجية الإسرائيلية تدعو إلى الحفاظ على صلابة سياستها في غزة ـ بالرغم من الضغوط الدولية المكثفة ـ تلك السياسة التي تبنتها إسرائيل في عام 2008 قبيل تحضيرها لعملية الرصاص المصبوب. ولكن الولايات المتحدة ـ في محاولة منها لتجميل وجهها في الشرق الأوسط وللتفاوض مع اللاعبين الإقليميين لتسهيل انسحابها من العراق وأفغانستان ـ قد زادت من ضغوطها على إسرائيل لتخفيف سياساتها والانخراط في محادثات سلام تخدم بصورة أفضل المصالح الأمريكية في المنطقة. وقد تكاثفت الضغوط الأمريكية في أعقاب الهجمة الإسرائيلية على أسطول الحرية بقيادة تركيا، والتي خلفت تسعة أتراك قتلى من أصل تسعة عشر.
وقد عارضت الحكومة الإسرائيلية في البداية تلك الطلبات الأمريكية، لأنها تعارض مباشرة السياسة الإسرائيلية في استمرار توسيع المستوطنات في الضفة الغربية وإغلاق وحصار قطاع غزة من أجل إضعاف حركة حماس، ولكن المغامرة بالصدام مع الولايات المتحدة قد يفقد إسرائيل الدعم الأمريكي وهو ما يمثل تهديدًا وجوديًا على الكيان الصهيوني، وبالتالي وبمجرد أن أدركت إسرائيل حجم الضغوط الأمريكية وأنها ليست مؤقتة أو أنها فقط للتلاعب الإعلامي، أذعنت إسرائيل إلى الطلبات الأمريكية بدلاً من المخاطرة بتوسيع هوة الخلاف بين البلدين. وفي المقابل، قدمت الولايات المتحدة ضمانات أمنية إضافية لإسرائيل، وهو ما دلل عليه زيادة حزمة المساعدات الأمنية التي أعلن عنها في 16 يوليو الماضي.
وفي الوقت الذي وافقت فيه إسرائيل على خوض مفاوضات مع الفلسطينيين، فإنها ترغب في أن تفشل تلك المفاوضات بطلبات غير واقعية ثم بعد ذلك تلقي بلائمة الفشل على عدم رغبة الفلسطينين في تلبية تلك المطالب. وهذا التكتيك الذي أظهره إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على المحادثات المباشرة بدون شروط مسبقة، مكن إسرائيل من أن ترضي الولايات المتحدة والضغوط الدولية في الوقت الذي أظهرت فيه للعالم أن محاولات إسرائيل للسلام قد أفسدها التعنت الفلسطيني.
كما تأمل إسرائيل أيضًا أنها بانخراطها في المفاوضات، تستطيع أن تضير بصورة أكبر بالعلاقات الفلسطينية الداخلية لأن الجماعات الفلسطينية المتنافسة تنتقد سياسة بعضها البعض تجاه إسرائيل، في الوقت الذي تستمر فيه في أن تتسابق على المساعدات الدولية والشعبية المحلية. وعن طريق هندسة الفشل لأي محاولات تفاوضية، فإن إسرائيل تأمل أن تكون قادرة على استئناف الموقف الذي تركته في السابق بسبب الضغوط الأمريكية.
وعرض ليبرمان يمثل تلك الخطوة لإرضاء المجتمع الدولي وتخفيف ضغوطه ضد حصاره على غزة، في الوقت الذي يضع فيه حماس في الموقف الدفاعي دبلوماسيًا. فهذا يعطي المجتمع الدولي بالضبط ما يرغب فيه، في الوقت الذي يضع فيه مسئولية ذلك الموقف المتشابك على الاتحاد الأوروبي وعلى حركة حماس. فإسرائيل تعتمد على الفلسطينيين والمجتمع الدولي في فشل محاولاتهم في تنفيذ ذلك الاقتراح، وبالتالي تأكيد التوتر بين الجماعات الفلسطينية وداعميهم الدوليين.
وبالتالي وبالرغم من أن ذلك الاقتراح يعد تكتيكًا إسرائيليًا جديدًا، إلا أنه يعد امتدادًا لاستراتيجية إسرائيل السابقة تجاه حركة حماس، ويتمنى ليبرمان أن يرى المجتمع الدولي هذا الاقتراح على أنه تلبية لرغباته في تغير جذري في سياسة إسرائيل في غزة. وإذا ما فعلت ذلك فإن إسرائيل تكون قد وضعت مسئولية الخطوة التالية على حماس، وسوف تكون قادرة على انتظار المجتمع الدولي للضغط على حماس ليقبل هذا العرض. وإذا ما فشلت تلك الضغوط، فإن ذلك لن يفيد سوى إسرائيل في تعزيز موقفها المتشدد السابق.

ل Image and video hosting by TinyPic
Enhanced by Zemanta

0 comments:

Post a Comment