لماذا.. وكيف؟لماذا الآن، وعلى هذا النحو، وفي هذا المكان، قامت الولايات المتحدة، المحتلة للعراق، باعتدائها الإرهابي الوحشي على سورية؛ وكيف سترد دمشق على هذا الاعتداء؟هذا السؤال، أو كلا السؤالين، ما زال يبحث عن إجابة مُرْضية مُقْنعة.
أوَّلاً، خسارة سورية من هذا الاعتداء هي خسارة معنوية في المقام الأوَّل؛ وتتأكد هذه الخسارة أكثر، وتنمو، مع كل ردٍّ سوري من قبيل إغلاق مدرسة أمريكية، أو إغلاق المركز الثقافي الأمريكي، في دمشق، فإدارة الرئيس بوش، في أيامها الأخيرة، لم ترسل مروحياتها إلى منطقة البوكمال من أجل أن ترتكب المجزرة التي ارتكبتها في حق مدنيين سوريين فقراء وأبرياء، ولا لِتُثْبِت من خلال النتائج العملية والواقعية لغارتها الجوية أنها كانت صادقة في زعمها أنَّ "إرهابيين" كانوا المستهدفين، وإنْ قُتِل وجُرِح، عن غير قصد، أو من طريق الخطأ، بعض المدنيين الأبرياء.لقد أرسلت تلك المروحيات لتنفِّذ عملاً من أهدافه الحقيقية إهانة نظام الحكم في سورية، والإساءة إلى كرامته، وإظهاره على أنَّه في عجز تام عن الرد بما يتناسب مع حجم الاعتداء.ولم يَخِب توقُّع من توقَّع أن يسمع دمشق تردُّ قائلةً إنَّها تحتفظ لنفسها بحق الرد، فهذا القول لم يُتَرْجَم، ولو مرة واحدة، وفي مواجهة اعتداءات عسكرية إسرائيلية عدة على وجه الخصوص، بعمل غير المعتاد، وهو عمل "عدم الرد"، وكأنَّ "الاحتفاظ بحق الرد" كمثل احتفاظ الزوج بحق الطلاق، والذي لا يعني بالضرورة حدوث الطلاق!ولو كان الأمر يمكن أن يُحْسَم من خلال سلطة القانون الدولي لأُرْسِلت لجنة دولية للتحقيق في الحادث، وللتوصُّل، بالتالي، إلى ما يؤكِّد أو ينفي مزاعم المعتدي وتبريراته، ولمعاقبته إذا ما ثَبُت أنَّ مزاعمه باطلة، وأنَّ العمل الذي قام به ينطوي على خرق وانتهاك للقانون الدولي؛ ولكنَّ هذا الذي قلنا هو الوهم بعينه.هذا الاعتداء الإرهابي الوحشي أسَّس له المعتدي شرعية واهية (وهو لا يعبأ كثيراً بأن تكون واهية) بزعمه أنَّ "إرهابيين أجانب (أي عرب)" يأتون في استمرار إلى العراق من الأراضي السورية، وأنَّ السلطات السورية لم تقم بما يكفي (وهي القادرة) لدرء مخاطر هؤلاء عن العراق.ونحن إذا اتِّخذنا من هذا الاعتداء مقياساً نقيس به حجم وقوَّة "المخاطر الإرهابية" التي يتعرَّض لها العراق من جواره الإقليمي لتوصَّلنا إلى استنتاج مؤداه أنَّ إدارة الرئيس بوش لا ترى في إيران مَصْدَراً لـ "تهديد إرهابي (للعراق)"، يفوق، أو يعدل، مثيله المتأتي من المَصْدَر السوري، فلو رأت غير ذلك لفَرَض عليها المنطق ذاته أن تفعل في الأراضي الإيرانية الحدودية ما فعلته في منطقة البوكمال. وأحسب أنَّ إدارة الرئيس بوش لا تحتاج إلى من يُذكِّرها بكل ما زعمته من قبل في شأن التهديد الإيراني المتزايد لـ "أمن واستقرار" العراق، فهل أرادت أن تُظْهِر نفسها من خلال الاعتداء الذي شنته على منطقة البوكمال بما يُذكِّرنا بمثل "الحمار والبردعة"؟!إننا نميل إلى فهم وتفسير اعتدائها على هذا النحو؛ ذلك لأنَّ من الحماقة بمكان أن نفهمه ونفسِّره بما يوافق مثل "الجارة والكنة"، فإدارة الرئيس بوش، ومهما استبدَّت بها الحماقة، تظلُّ عاقلة متعقلة في مواجهة إيران، التي طالما أعلنت وأكَّدت، وعند ارتفاع منسوب التهديد الأمريكي بضربها عسكرياً، أنَّ الولايات المتحدة أعجز من أن تهاجمها عسكرياً، وكأنَّ قوَّة خصومها هي التي لها الفضل في جعلها تجنح للتعقُّل.ولقد قُلْتُ من قبل إنَّ إيران يحق لها أن تحتفل بالنصر إذا ما غادر الرئيس بوش البيت الأبيض من غير أن يُثْبِت أنَّ "الخيار العسكري" ضد إيران، وبرنامجها النووي، كان حقاً موجوداً على الطاولة.والإفلاس السياسي بعينه أن تظن إدارة الرئيس بوش أنَّ ما "ضخَّته" في منطقة البوكمال من "سيولة سياسية" يمكن أن ينزل منَّاً وسلوى على حملة ماكين الانتخابية، أو أن يبثَّ في العالم وهم أنَّ رياح "وول ستريت"، التي هي في المبتدأ رياح شرقية عراقية، لم، ولن، تهزَّ الصخرة السياسية والاستراتيجية الدولية للولايات المتحدة، فهذا "الضخ" إنَّما هو خير نفي لِمَا يحاول المفلس بوش تأكيده.وكيف لإدارة الرئيس بوش أن تكون في غير هذه الحال من الإفلاس السياسي والطفل في وعيه السياسي يعرف ويعلم أنَّ غارة البوكمال هي أسوأ خدمة يمكن أن تسديها تلك الإدارة إلى حكومة المالكي في سعيها إلى تمرير "الاتفاقية الأمنية" في مجلس النواب العراقي، فإذا كانت الولايات المتحدة، وقبل توقيع تلك الاتفاقية، لا تتورَّع عن اتِّخاذ العراق قاعدة انطلاق لاعتداءاتها العسكرية على بعضٍ من جواره الإقليمي، فكيف ستتصرَّف بعد توقيعها، وإذا ما نجحت في جعل إجازتها

0 comments:
Post a Comment