Wednesday, November 12, 2008

فهم دو مصر فلسطنيا،،،،،،بقلم الدكتور ناجى شراب

مصر كدولة فى النظام الإقليمى العربى والدولى تعرف دورها وحدود هذا الدور، وهذا الدور لم يمنح ولم ينتزع بالقوة، بل هو إنعكاس لمعطيات تاريخية وحضارية تمتد لآف السنيين وإنعكاس لموقعها الجغرافى المحورى فى قلب النظام الإقليمى العربى ، وتجسيد لعناصر القوة ألأخرى السكانية والسياسية والعلمية . ، وهذا الدور الريادى والقيادى المؤثر لم يفرض بالقوة ، بل أن هذا الدور هو الذى فرض نفسه على مصر . وهذا ما أكدته دورة القوة التى قد شهدتها المنطقة عبر مراحل التاريخ ، وقد يحدث تغير فى عناصر دورة القوة هذه ، لكنها بقيت ثابته فى التأكيد على دور مصر فى كل التفاعلات الإقليمية والدولية التى شهدتها المنطقة ، وكانت مصر دائما محور وبؤرة تفاعل لكل ألأحداث السياسية وفى مقدمتها القضية الفلسطينية بكل مراحل الصراع مع إسرائيل . ومن هنا لا يمكن مقارنة دور مصر بدور دولة أخرى فى المنطقة ، وفى الوقت ذاته ليس هذا الدور بديلا لدور دولة أخرى ، وفى هذا السياق تتحدد حدود دور كل دولة فى المنطقة ، وليس معنى ذلك إلغاء دور الدول ألأخرى الذى قد يأتى مكملا للدور المصرى وتفاعلاته الإقليمية . فالدول العربية وحسب مقياس القوة الشامله ونظرية دورة القوة قد تصنف إلى دول صغرى ودول متوسطه ودول مؤثره ودول كبرىودول هامشيه ، ومصر حسب هذا المقياس تأتى فى عداد الدول الكبرى فى المنطقة والنظام الإقليمى العربى والشرق أوسطى . ومن خلال منهج النسق أالإقليمى والدولى تتحدد كل التفاعلات السياسية وتتمحور حول الدولة القائد أو الدولة المركز فى النظام ألإقليمى ، وهى هنا مصر . وحتى نفهم طبيعة العلاقات ما بين دور هذه الدولة والدول العظمى أو الكبرى على مستوى النظام الدولى لا بد من معرفة حدود دور الدول فى كل نظام وهذا ما قد يفسر لنا أولوية العلاقات التى تعطيها الدول الكبرى فى النظام الدولى للدولة الكبرى كمصر فى النظام الإقليمى ، وهنا تكمن العلاقة بين مصر والولايات المتحده وروسيا اليوم وسابقا ألإتحاد السوفيتى والصين واليابان والإتحاد الأوربى . وقد حظى هذا الدور بشرعية الوجود الإقليمى والدولى ،ويرتبط الدور بالوقف والمكانه وقدرة القياده ، وإرتباط ألأطراف ألأخرى بها وعلى قدرتها توفير ألأمن للأخرين ويتعلق هذا الدور بكل قضايا السياسة الخارجية وبوجود سلوك السياسة ألخارجية وهو ما قد أضفى الشرعية على ألدور الذى مارسته السياسة الخارجية المصرية عبر مراحلها المختلفه . وأخيرا فإن هذا الدور لا يتحدد فقط بالقوة ، ولكن بتقاليد النشاط الدبلوماسى ولا شك أن هذا الدور يشكل أهمية إستراتيجيه عليا للأمن القومى العربى وتحديدا القضية الفلسطينية ، وهو ما يفسر لنا ألإرتباط العضوىليس فقط بين دور مصر كدولة مركز فى النظام الإقليمى العربىوليس فقط القضية الفلسطينية بل كل القضايا العربية ألأخرى .
أعود إلى موضوع المقالة اليوم ، ولكن بداية لا بد من الإشارة إلى عدد من الملاحظات الهامة : اولا أن مصر تدرك دورها وحدوده إزاء القضية الفلسطينية ، وثانيا أن الفلسطينيين ليسوا من يحددوا دور مصر وما هو مطلوب منها ، وثالثا ان تأجيل الحوار أو فشله لن ينتقص من دور مصر القومى وإستمراره إزاء القضية الفلسطينية من منطلق ارتباط القضية الفلسطينية بعناصر ألأمن القومى المصرى خاصة والعربى عموما . ورابعا أن نجاح الحوار الفلسطينى وإنهاء حالة ألإنقسام الفلسطينى يتوقف على المدركات الفلسطينية للدور المصرى وحدوده وأهميته فلسطينيا . وأن هذا الدور لا بديل عنه بدور آخر لأى دولة عربية أخرى ، وخامسا أن مصر وعبر كل المراحل التاريخية تدرك خصوصية العلاقه التى تربطها بفلسطين وغزه خصوصا . وعليه مصر لفلسطين وللفلسطينيين ليست مجرد دولة عاديه ، وليست مجرد ممر للعبور ، وليست مجرد معبر يفتح أو يغلق لأيام أو لساعات ، وليست مجرد علاقة بحركة حماس أو فتح أو غيرهما من التنظيمات والقوى الفلسطينية ، بل أعمق وأبعد من ذلك بكثير علاقة شعب بشعب تداخلت بينهم روابط ووشائج أقوى من يحددها قرار سياسى فلسطينى أو غير فلسطينى ،مصر تشكل حاضنه سياسية وإستراتيجية وعمق إجتماعى وعضوى يربط بين الشعبين المصرى والفلسطينى ، وهى علاقة لا تحددها الفترة التاريخية الحالية ، بل هى عمق وإمتداد تاريخى يمتد لآلآف السنيين ودائما إرتبطت ألأوضاع السياسية فى فلسطين ضعفا أو قوة بالوضع السياسى فى مصر ، وقد تبدو هذه العلاقة أكثر الحاحا لقطاع غزه هذه الجزء الصغير الذى شاءت القدرة الألهية أن تربطه عضويا بمصر ومن هنا خصوصية العلاقة بين مصر كدولة مركز فى نظامها الإقليمى وبين هذه الجزء الصغير من فلسطين الذى لم يرقى إلى مستوى دولة ، هذه الخصوصية حددها التلاصق الجغرافى الذى يصعب تحديد حدوده ، والتلاحم والإرتباط الإجتماعى الذى وصل إلى علاقة الزواج والمصاهرة والتجنس ، والإرتباط ألأمنى وما تمثله غزه من بوابة الشرق لمصر ، لذلك حرص مصر على إستقرار ألأوضاع فى غزه ، هذه المحددات هى التى قد دفعت مصر للمبادرة بإحتواء حالة ألإنقسام السياسية الفلسطينية ، وهذا ما يفسر لنا المسافة المتساوية التى أخذتها مصر من القوتين الرئيسيتين الفلسطينيتين فتح وحماس ، وليس كما يقال أن مصر ليست وسيطا نزيها ، بل عكس ذلك مصر ترى فى نفسها طرفا ولو غير مباشر فى إنهاء حالة ألإنقسام وهذا ما يميز الدور المصرى عن دور أى دولة أخرى فى المنطقة : دور الفاعل المباشر المعتى بحل الخلافات الفلسطينية من منظور كل المحددات التى أشرنا إليها ودور من يريد أن يوظف القضية لأهدافه ومصالحه القومية الخالصه . وموقفها منذ البداية الذى جاء على لسان الرئيس محمد حسنى مبارك منذ اليوم ألأول لسيطرة حماس على غزه فى يناير 2006 بالحوار كأسلوب وحيد لحل الخلافات الفلسطينية ، والموقف المصرى المرن من الحصار المفروض على غزه وسماحها بأسلوب أو بآخر لتدفق كل السلع الحيوية بما فيها الوقود على غزه لتخفف حدة الحصار الذى تفرضه إسرائيل .أضف إلىذ لك ينبغى التأكيد أنه لا يمكن تصور أى شكل من أشكال الكيانية السياسية فى غزه دون أن تكون حاضنته السياسية والأمنية مصر ، لأن البديل لذلك هو إسرائيل . ولست هنا بصدد ماذا قدمت مصر من تضحيات من أبنائها الذين إمتزج دمهم بالدم الفلسطينى ، وما قدمت من مساعدات ماديه وبشرية ، ولماذا خاضت مصر حروبها مع إسرائيل ألم تكن فلسطين قاسما مشركا فى كل هذه الحروب ، لكل هذه المعطيات والمحددات كان طبيعيا أن تولى مصر أولوية خاصه بشؤؤن القطاع وسكانه ، وإلتزامها الدائم به ولذلك ينظر أبناء القطاع دائما إلى مصر لتقدم لهم المزيد ، ويتوقعوا منها الأكثر وألأكثر . وفى الوقت ذاته على الفلسطينيين أن يدركوا كما تدرك مصر دورها أن مصر دولة يحكم سلوكها السياسيى محددات كثيره كونها دولة مركز فى نظامها الإقليمى ، لها علاقاتها الإقليمية والدولية ولها رؤيتها لأمنها القومى ، ولها وعليها إستحقاقاتها الدولية التى تنظمها مجموعة من الإتفاقات الدولبة ، ، وعلى الفلسطيينين ان يتفهموا هذه المحددات والمعطيات التى تحكم دور مصر ، وان يدركوا أيضا أن عليهم وخصوصا فى قطاع غزه انهم مكملون لأمن مصر وليس عنصر عدم أمن وعدم إستقرار فهذا ليس فى الصالح الفلسطينى .وأيضا الإبتعاد عن الممارسات والسياسات التى قد تشكل تحديا لدور مصر وإلتزماتها كدوله . فى هذا السياق العام للعلاقة هناك مدركات متبادله لا بد من تفهمها وإستيعابها فلسطينيا ، ولذلك يخطا الفلسطينيةن إذا قللوا من دور مصر وأن هناك بديلا لهذا الدور ، ويخطأوا أيضا إذا تصوروا ووضعوا هذه العلاقة فى إطار العلاقات بين الدول ألأخرى , هى علاقة خاصه كما أشرنا علينا ان ندرك حدودهابرؤية مصرية وليس فقط برؤية فلسطينية . ولعل من ألأخطاء التاريخية التى كانت سببا فى علاقات متوتره ومتأزمه عدم إدراك الدور المصرى كدوله ، ومحاولة تجاوز هذا الدور بعلاقات تحالف مع دول أخرى ، ولذلك على الفلسطينيين أن يتجنبوا سياسة المحاور والتحالفات العربية وان يدركو ويميزوا بين عمقهم الإستراتيجى والسياسى وبين الدلالات السياسية لما يقدم لهم من مساعدات مالية من هنا أو هناك : وإدراك الفارق الشاسع بين الأمرين . ألأولى لها أولوية فى العلاقة ، وتشكل عنصرا ثابتا أما الثانية فمعرضه للتغير والتبدل, وعلى الفلسطنيين أن يدركوا المضمون الوطنى فى الدور الذى تقوم به مصر ، وأن هذا الدور له إنعكاسات قوية على المواطن العادى الذى يحرص على الحفاظ على الجانب المتعلق بما يمكن تسميته الكرامة الوطنية للدور . وهذا من شأنه أن يمس العلاقات على مستوى الشعبين . ويخطأ الفلسطينيون أذا إعتقدوا أن الدور المصرى مرتبط بمرحلة وأهداف مؤقته ، بل هى علاقة ممتده عضوية تحتاج إلى التفكير فلسطينيا فى الحفاظ عليها والتفكير فى الخيارات والبدائل لتطويرها وتفعيلها فى كل المجالات هى علاقات بديله لإسرائيل التى تتحكم فى الجانب ألأخر للعلاقة ، وهى علاقة توازن مع القوى ألإقليمية والدولية ألأخرى . بقدر هذا التفهم والإدراك المتبادل فى العلاقات بقدر التوزن وألإستقرار والإضطراد المتنامى فى علاقات قويه .
دكتور /ناجى صادق شراب /استاذ العلوم السياسية /غزه
drnagish@hotmail.com

0 comments:

Post a Comment