بدون أي تردد، يمكن القول إن العد التنازلي للحدث الأهم في مستقبل الشرق الأوسط قد بدأ. ففي عام 2011 سيقترع المصريون على اختيار رئيس للجمهورية. حتى هذا الإشعار يبقى الحال كما هو عليه؛ والذي يتلخص في مزيج من الجمود السياسي وحالة من الاضطراب والخوف مما ما هو قادم. ليس من الغريب أن تشهد الأشهر القليلة المنقضية عجز غير متوقع للحكومة المصرية في التعامل مع بعض الأحداث المحلية، التي جرت العادة أن تتعامل معها دون أدنى صعوبة. وعلي سبيل المثال لا الحصر، الإضرابات والاعتصامات التي قام بها بعض أصحاب المهن كالمعلمين وأساتذة الجامعات. هذا بالإضافة إلى أزمة رغيف الخبز والتي أظهرت الحكومة المصرية بكل قدراتها المالية والإدارية والأمنية، عاجزة عن ضمان توزيع الخبز على عامة المصريين، وانتهى الأمر بالاستعانة بالقوات المسلحة التي حلت بدورها الأزمة. حتى أن قطاع كبير من النخبة المصرية يؤمن بأن هذه الأزمات هي نتاج "صراعات بين أجنحة متعارضة في قلب الحزب والنظام السياسي الحاكم، كل منهم يريد أن يحرج الأخر أمام الرأي العام" وذلك على حد وصف الخبير الإستراتيجي ضياء رشوان في إحدى مقالته في جريدة المصري اليوم القاهرية. لعل حجم الصراع على منصب رئيس الجمهورية في مصر يحدده حزمة الصلاحيات التي يتمتع بها هذا المنصب. فرئيس الجمهورية يملك خيوطا تمكنه من التحكم في مجريات النظام السياسي بأكمله، حيث يبلغ عدد مواد الدستور التي تنص على سلطاته-رئيس الجمهورية- 35 مادة أي بمعدل 63٪ من إجمالي السلطات والصلاحيات التي ينص عليها الدستور المصري. كما أن رئيس الجمهورية هو الذي يعين الحكومة ويقيلها-السلطة التنفيذية- وهو الذي يدعو مجلسي الشعب والشورى -السلطة التشريعية- للانعقاد، كما يملك الحق في حل كليهما وقتما يشاء. علاوة على ذلك يرأس مجلس رؤساء الهيئات القضائية والمجلس الأعلى للشرطة؛ هذا طبعا بالإضافة إلى أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة. فبلا أدنى شك تشكل الانتخابات الرئاسية القادمة في مصر نقطة تحول فاصلة في مستقبل الديمقراطية في العالم العربي. وذلك بغض النظر عن السيناريوهات التي تطرح حاليا حول مستقبل الرئاسة بدءا من احتمال نجاح جمال مبارك في تولي السلطة، مرورا بتصعيد أحد قيادات الجيش غير المعروفة والتي تواجهها عقبات دستورية جمة؛ انتهاءا بتولي أحد القيادات الكبيرة المقربة للرئيس مبارك زمام الأمور. فرصة تاريخية يتزامن هذا الاستعداد المكثف داخل النظام المصري لهذا الحدث الجليل -انتخابات عام 2011- مع اعتلاء رئيس أمريكي جديد لسدة الرئاسة في البيت الأبيض. بالرغم من أن بعض المؤشرات تؤكد أن ملف الديمقراطية في المنطقة العربية لن يحتل أولوية لدي الإدارة الأمريكية القادمة، إلا أنها في الوقت نفسه ستجد على أجندة مواعيدها، موعد الأستحاق الرئاسي في مصر والذي لن تستطيع واشنطن تجاهله باعتبار أن مصر حليفها الاستراتيجي في العالم العربي.الإدارة الأمريكية القادمة يجب أن تدرك المرحلة الحرجة الذي تمر به القاهرة. كما ينبغي أن تضع في اعتبارها أنه إذا كانت الولايات المتحدة تدعي أنها ملتزمة بدعم التحول الديمقراطي في العالم العربي، فهذه فرصة تاريخية، لن تعوض، لإعادة مصداقيتها أمام المواطن العربي، والمساهمة بشكل بناء في خلق نموذج حكم ديمقراطي في الدولة العربية الأكثر تعدادا للسكان؛ والتي اعتادت أن تكون نقطة البداية في تحولات غيرت ملامح الشرق الأوسط وعلي رأسها قرار الرئيس الراحل أنور السادات بتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل. توفر السنوات الثماني الماضية في العلاقات بين القاهرة وواشنطن أرضا خصبة، يمكن للإدارة الأمريكية الجديدة الوقوف عليها والاستفادة من الأخطاء التي ارتكبتها في سعيها لترويج الإصلاح الديمقراطي في مصر. من هذا المنطلق يمكن تقديم بعض النصائح للإدارة الأمريكية الجديدة: أولا: يجب أن تتسم سياسية الولايات المتحدة في الفترة القادمة بالبراجماتية في التعامل مع بعض الحقائق التي من المتعذر تغييرها في الوقت الحالي، وأبرزها الانتخابات الرئاسية والتي ستعقد في سبتمبر عام 2011. ليس المطلوب هنا من واشنطن تفضيل مرشح على أخر أو الانخراط في السيناريوهات المطروحة في الوقت الحالي والخاصة بمسألة مستقبل الرئاسة؛ فهذا شأن يخص الناخب المصري وحده. لكن المطلوب هو التفاعل مع ملف مستقبل الرئاسة في مصر على مستويين، المستوى الأول قبلي يتعلق بالمرحلة التي تسبق الانتخابات: فبالرغم من أن الاختيارات أمام الناخب المصري تبدو محدودة للغاية ومن الصعب تغيير ذلك في الوقت الحالي، إلا أن الرئيس المصري القادم يجب أن يأتي عن طريق انتخابات شفافة يكون للقضاء والمجتمع المدني الحق في مراقبتها.المستوى الثاني يأتي دوره بعد الانتخابات وهو الأهم نسبيا والذي سيعول عليه مستقبل الإصلاح الديمقراطي في مصر، وهنا يجب على واشنطن دعم المطالب بعض القوى السياسية المصرية الخاصة بتحديد مدة الرئاسة لفترتين فقط لكل رئيس، مما يضمن تداول سلميا للسلطة ويفتح الباب مستقبلا أمام القوى المختلفة للمنافسة وتحرير الحياة السياسية من نموذج الحزب الواحد. يجدر التأكيد أنه بدون تحديد مدد الرئاسة ستواجه عملية الإصلاح الديمقراطي في مصر صعوبة بالغة؛ كما أن تحقيق هذا المطلب يجب أن يقوم به الرئيس الجديد لإثبات نيته وجديته لمواصلة الإصلاح. ثانيا:على الرئيس الأمريكي القادم ألا يخشى أن تضر أي ضغوط أمريكية على النظام المصري بشأن الإصلاح السياسي ملفات التعاون بين البلدين على الصعيد الإقليمي، ففي الفترة ما بين 2003 و 2005 قامت إدارة الرئيس بوش بممارسة ضغوط سياسية قوية على النظام المصري من أجل تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان. وشهدت الفترة نفسها قيام مصر بإرسال سفيرا لها لبغداد لتعتبر أول دولة عربية تفعل ذلك بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع صدام حسين. فبالنسبة لمصر، هناك فصل واضح بين المسارين –العلاقات في الملف الإقليمي والعلاقات الثنائية- ويجب على الرئيس الأمريكي القادم أن يدرك ذلك. كما أن تراجع دور مصر الإقليمي سببه الرئيسي حالة الجمود السياسي الداخلية، فاستقرار الحياة السياسية في الداخل سيعيد لمصر دورها الإقليمي في العديد من الملفات ولاسيما عملية السلام وجهود المصالحة في لبنان. ثالثا:من منطلق براغماتي أيضا ينبغي، على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تتخلى نهائيا عن مخاوفها التي بنيت على فرضية أن الإصلاح الديمقراطي في مصر سيأتي بالإخوان المسلمين إلى السلطة. وذلك لأن التعديلات الدستورية الأخيرة تحول دون ذلك، فمن جهة لن تتمكن الإخوان المسلمين من ترشيح أحد قياداتها لمنصب الرئيس، لأنها لا تملك حزبا سياسيا، ومن جهة أخرى لن يستطيع مرشح الإخوان الحصول على التأييد اللازم من قبل أعضاء مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية كما يشترط الدستور المصري. رابعا: أن يوجه مسؤولي الإدارة الأمريكية القادمة اهتماما خاصا من أجل توفير الدعم اللازم لخلق قنوات مدنية تضمن مشاركة الشباب في الأحزاب السياسية والمجتمع المدني.فمنذ أن بدأت الولايات المتحدة دعم الإصلاح الديمقراطي في مصر وهي تتجاهل حقيقة ديمغرافية خطيرة، ألا وهي أن الشباب يشكلون 40٪ من سكان مصر -وفقا للأرقام الرسمية- وذلك في الوقت الذي تعاني فيه مصر من ضعف شديد في المشاركة السياسية. نظرا لغياب القنوات المدنية الغير دينية التي تستوعب هذه الثروة البشرية، شهدت الفترة الأخيرة نشاط سياسي غير مسبوق للشباب المصري على الإنترنت. تشير أحد الإحصائيات الحكومية أن هناك أكثر من 160 ألف مدونة مصرية على الإنترنت. لذا يمكن القول أن مشاركة الشباب السياسية أصبحت افترضيه.ويكفي الإشارة الي أن الإضراب العام الذي حدث في يوم 6 ابريل 2008 تم تنظيمه عبر الإنترنت بواسطة بعض الشباب وبلغ عدد الأعضاء فيه 85 ألف عضوا أغلبيتهم من الشباب أعمارهم أقل من 30 عام. ان دل ذلك على شئ فإنه يعتبر مؤشرا واضح على تعطش الشباب للمشاركة المدنية في الحياة السياسية. فهل سنسمع يوما عن تغير مفاجئ في اتجاه برامج المعونة الأمريكية للرد على نداء الشباب؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي على الإدارة الأمريكية القادمة الإجابة عليه.
محمد عبد الباقي صحافي وباحث في شئون الديمقراطية والإصلاح السياسي في الشرق الأوسط.
Wednesday, November 12, 2008
ياديمقراطية يا،،،،،،،بقلم محمد عبد الباقى
مجلة المصداقية السياسية
on 4:47 PM
Subscribe to:
Post Comments (Atom)


















0 comments:
Post a Comment