Thursday, March 19, 2009

توجهات نتنياهو إزاء الموضوعات السياسية

مجلة المصداقية
نيويورك

تيح تحليل البنية الحزبية التي أفرزتها انتخابات الكنيست الثامنة عشرة، ترجيح الاعتقاد بأن مواقف رئيس حزب الليكود اليميني بنيامين نتنياهو ستترك مرتسماتها على التوجهات السياسية للحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي سيشكلها. ولاستشراف الاتجاه الذي ستتخذه التطورات في المرحلة المقبلة، تساعد تصريحات نتنياهو ومواقفه وبرنامج الليكود الانتخابي في تحديد المنحى العام لتلك التوجهات، على مختلف جبهات الصراع.
وتتلخص الحالة في الموضوع الفلسطيني، بأنه تنتظر الفلسطينيين سنوات أكثر صعوبة من السنوات الأربع الأخيرة، وأنه من المستبعد التوصل إلى اتفاق بين الطرفين. وتبين المفاهيم المسيطرة على ذهنية نتنياهو أبعاد تلك الحالة، حيث يعتقد نتنياهو أن "المفاوضات التي بدأت في أنابوليس والتي تركز على تحقيق اتفاق دائم، تخطئ الهدف". ويلقي نتنياهو اللوم على الفلسطينيين، معتبراً أنهم غير مستعدين حالياً لتسوية أيديولوجية ذات أبعاد تاريخية من شأنها أن تضع نهاية للصراع. ويشدد نتنياهو على أن الفلسطينيين رفضوا اقتراحاً للتسوية، خلال مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، وأنه لا يوجد دليل على تحوّل مواقفهم إزاء قضايا الحل الدائم إلى "الاعتدال"، بل أصبحت مواقفهم أكثر تصلباً.
ويرفض نتنياهو الانسحابات أحادية الجانب، لأن أي منطقة يخليها الجيش الإسرائيلي ستسيطر عليها "حماس"، وأي انسحاب أحادي الجانب سيبث رسالة ضعف واستسلام، فأربعة آلاف من الصواريخ التي تم إطلاقها على الجليل إبان حرب لبنان الثانية، ومثلها من الصواريخ التي أطلقت على إسرائيل من غزة، أثبتت أن تحذيرات الليكود من الانسحابات أحادية الجانب لم تكن عبثاً".
ومن القرائن المتعلقة بالنهج الذي سيعتمده نتنياهو؛ رفضه التعهد بمبدأ "دولتين للشعبين"، خلال المفاوضات الائتلافية مع زعيمة حزب كديما تسيبي ليفني. وقدّم نتنياهو تفصيلات حول الحل الأمني/السياسي الذي يتبناه، مبيناً أنه "يعارض منح الفلسطينيين في التسوية الدائمة صلاحيات سيادية من شأنها أن تعرض أمن إسرائيل للخطر، كإقامة جيش أو السيطرة على المجال الجوي أو عقد تحالفات مع دول أخرى، كإيران، أو السيطرة على المعابر التي تسمح بإدخال السلاح". وفي أحاديث مغلقة نقل عن نتنياهو إنه لا يعارض أن تكون للفلسطينيين في التسوية الدائمة صلاحيات في مجال العلاقات الخارجية، كالسفارات والعلاقات الدبلوماسية. ولكنه امتنع عن استخدام كلمة "دولة"، لأنه يرتبط بهذا التعبير معنى "السيادة"، الذي يتضمن صلاحيات في مجال الأمن.
وعوضاً عن السعي لاتفاق، يقترح نتنياهو أن تركّز إسرائيل جهودها على مساعدة سلطة محمود عباس، وتحسين مستوى حياة الفلسطينيين اليومية، ومساعدتهم على تطوير اقتصادهم بشكل سريع. ومع اعترافه بأن هذه الخطوة، بحد ذاتها، لن تنهي الصراع، لكنه يعتقد أنها ستوجد أجواء تتزايد خلالها بشكل كبير احتمالات نجاح المفاوضات السياسية.
وطبقاً لما نشر في إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة، سيسعى نتنياهو لإقامة "سلام اقتصادي" مع الفلسطينيين، ليكون ممراً يفضي إلى "سلام سياسي" في المستقبل. ومعنى هذا أنه عندما يستمتع الفلسطينيون من ثمار السوق الحرة، وعندما سيشترون المزيد من الأجهزة الكهربائية والسلع والأسهم، سيعتدلون في مطالبهم السياسية تدريجياً، إلى أن يوافقوا على قبول اقتراحات نتنياهو، التي أحجم عن ذكر تفاصيلها.
وقد شرح نتنياهو في لقائه مع المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية باراك أوباما(في القدس/تموز-يوليو2008) فكرة "السلام الاقتصادي"، وحاول إثارة اهتمامه بها، مبيناً أنه يمكن فصل تطوير الاقتصاد الفلسطيني عن احتياجات إسرائيل الأمنية، وأنه بدل الجدل في إزالة الحواجز، يفضل إحداث عمل قرب المدن الفلسطينية، وبناء مشروعات تحرك الاقتصاد في الضفة والقطاع بإشراك الأردن ومصر أيضاً. وبدا نتنياهو كشمعون بيرس، صاحب مشروعات التعاون الإقليمي في "الشرق الأوسط الجديد"، وهو يثير فكرة مثل سكة حديد من العقبة إلى أسدود، مع امتداد إلى غزة (بعد عزل سلطة حماس)، أو رواق بنى تحتية من حيفا إلى إربد شرق الأردن، ماراً بجنين في الضفة الغربية.
ودون حاجة إلى المزيد من الجزئيات، يمكن ملاحظة أن نتنياهو يعرض على الفلسطينيين تحسيناً لفظياً لمستوى معيشتهم داخل جيوب آخذة في التقلص، ومعتمدة على إحسان إسرائيل وحسن نواياها، وأن "الحل" الذي يتبناه هو محاولة لإخفاء المشكلة الحقيقية، أو على الأقل تجاوزها، لطرح بديل للحل الطبيعي لهذه المشكلة. إذ يظهر برنامج نتنياهو كمسرحية وهمية مزدوجة؛ لأن الفلسطينيين لن يتخلوا عن تطلعاتهم بالاستقلال بسبب النمو الاقتصادي، ولأنه في الظروف القائمة التي تفتقر إلى حرية الحركة لن يزدهر أي اقتصاد استعماري في المناطق. ويمكن افتراض أنه خلال حديث نتنياهو عن "السلام الاقتصادي"، ستتسع المستوطنات، وتزداد الكارفانات في البؤر الاستيطانية متحولة إلى بيوت ثابتة دائمة، وسيقل احتمال الانسحاب إلى درجة الصفر.
وبشأن التعامل مع المقاومة الفلسطينية، يتوعد نتنياهو بمحاربة الفصائل، ويشدد على أن حكومة برئاسته، ستتعامل وتواجه أي عملية "إرهابية"، من خلال الرد بوضوح وحزم. ويؤكد نتنياهو أن إسقاط حكم "حماس" هو هدف استراتيجي، ويمكن عمل ذلك بوسائل سياسية واقتصادية، وعند الحاجة بوسائل عسكرية أيضاً.
وحول القدس، يكرر نتنياهو أن حكومة برئاسة الليكود ستحافظ على القدس موحدة كعاصمة إسرائيل، وأن أسوأ ما يمكن فعله هو تقسيم القدس، لأنه سيوجد نقطة احتكاك من شأنها أن تشعل المنطقة كلها، بينما "القدس الكاملة فقط، تحت حكم إسرائيلي، في إمكانها الحفاظ على سلام إقليمي".
ويرفض نتنياهو تطبيق قرار الأمم المتحدة 194 حول حق العودة للاجئين الفلسطينيين. ويركز على أن "حكومة بقيادة الليكود لن تسمح حتى لآلاف اللاجئين الفلسطينيين، بالعودة إلى إسرائيل. وإسرائيل لن تتحمل مسؤولية أخلاقية إزاء أولئك اللاجئين؛ لأنهم موجودون في وضعهم الصعب بسبب قرارات اتخذها العالم العربي، عند إعلان الحرب على إسرائيل، بدلاً من قبول حق اليهود في دولة خاصة بهم، والقرار بعدم السماح لأولئك اللاجئين بالتوطين ومواصلة حياتهم في الدول العربية".
وحيال سورية، يتجاهل نتنياهو مسار المفاوضات مع دمشق، تماماً، ويرفض الانسحاب من أي جزء من الجولان، ويعتمد سياسة "ولا شبر" الليكودية المعروفة. وقد قال نتنياهو في خطاب ألقاه أمام الكنيست في افتتاح الدورة الشتوية(في27/10/2008): "هضبة الجولان ستبقى الحزام الأمني الشرقي لدولة إسرائيل". وحين قام نتنياهو(في8/2/2009) بغرس شجرة "كينا" في الجولان، برفقة عدد من قادة الليكود، قال: "سيبقى الجولان بأيدينا، فالليكود قوياً يحافظ على الشجرة التي غرسناها". وأشار نتنياهو إلى ابنه الذي يرافقه زاعماً أن ابنه "سيجلس مع أحفاده تحت ظل الشجرة التي غرسناها".
وإزاء حزب الله؛ يرى نتنياهو أن إسرائيل يجب أن تواصل العمل بمختلف الوسائل للتخلص من تهديدات حزب الله ضد إسرائيل.
وبشأن إيران، يفتتح الليكود ونتنياهو برنامجه الأمني-السياسي بالحديث عن "الخطر الإيراني". وتذكر التقارير أن نتنياهو حذر الكونغرس الأميركي من "الخطر الإيراني" منذ أن كان رئيساً للحكومة في عام 1996، ودعا الولايات المتحدة إلى مواجهة إيران. وبرأيه؛ "أن منع إيران من حيازة سلاح نووي، ينبغي أن يكون على رأس سلّم أولويات الحكومة الإسرائيلية المقبلة، سواء أكان هذا الأمر يعني تجنيد الرأي العام العالمي لدعم فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إيران، أم الاستعداد لرد فعل عسكري مناسب، في حال إخفاق جميع المحاولات الأخرى".
وحين تقفز إلى واجهة التحليلات مسألة العلاقة مع إدارة أوباما، ثمة ضرورة للوقوف عند تأكيدات الولايات المتحدة أهمية "حل المشكلات الإقليمية بالحوار"، والحاجة الماسة لوجود مسار سياسي مع الفلسطينيين، وتصريح جورج ميتشيل(مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للشرق الأوسط) بأن "السلام الاقتصادي" الذي يطرحه نتنياهو، دون أن يذكره بالاسم، لن يكون مقبولاً لدى الإدارة الأميركية. وبعد ذلك تصريح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال زيارتها إلى فلسطين المحتلة(2/3/2009) بوجوب "التوصل إلى الحل المبني على قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية". ويستشف من هذا أن علاقة نتنياهو بأوباما ستنطوي على احتكاك، كما كانت علاقته بالرئيس بيل كلينتون قبل عقد من الزمن، حول مسائل معينة.
ومع ذلك، لن يكون نتنياهو معنياً بالصدام مع واشنطن، بل سيبحث عن صيغة عامة للحل على المسار الفلسطيني، تكون غامضة بقدرٍ كافٍ كي لا يغضب قوى اليمين. ومن المرجح أن يقول لأوباما إن "الوضع الراهن والركود ليسا خياراً"، وسنواصل محادثات التسوية الدائمة، لكننا سنبذل أكبر قدرة في تغيير الوضع في الميدان، وطالما أنه من المتعذر حل النزاع الآن، فلنبحث عن إقامة موانع للحرب، بأن يكون للفلسطينيين ما يخسرونه.
واستناداً إلى هذه الاحتمالات، سيحاول نتنياهو أن يبيع أوباما تسوية تدريجية بطيئة الخطوات، وفق مبدأ "إيران أولاً". والنتيجة؛ مزيد من المماطلة والتسويف لتكريس الحل الإسرائيلي، مع تركيز الأنظار نحو ما يسمى "الخطر الكامن لدى آيات الله".

0 comments:

Post a Comment