مع حلول الذكرى الخامسة لغزو العراق، إنعقد المؤتمر الثاني للمصالحة الوطنية الذي دعت إليه حكومة المالكي وإنفض الإجتماع دون تحقيق أية نتائج متقدمة، إذ شهد المؤتمر مقاطعة واسعة من العديد من الفئات النافذة السنية والشيعية والليبرالية وهي "جبهة التوافق" أكبر مكون سني، والتيار الصدري، والقائمة العراقية برئاسة أياد علاوي، وحزب الفضيلة، وجبهة الحوار الوطني بزعامة صالح المطلك، وقوى اخرى، كما تم إستبعاد المنتمين لحزب البعث. وكانت الدورة الاولى للمؤتمر ذاته قد عقدت في كانون الاول/ ديسمبر 2006 ولكنها ايضا لم تسفر عن أية نتائج تذكر. ويبدو ان الحكومة تواصل عقد ما يسمى بمؤتمر المصالحة لإبراء الذمة(!!) أمام منتقديها، وبالأخص الإدارة الأمريكية، التي ما فتئت تتهم المالكي بفشله وعدم جديته في تحقيق مصالحة وطنية حقيقية!
الملفت للنظر أن الحكومة حشدت تغطية إعلامية ضخمة للمؤتمر، إلذي لم يحضره سوى ممثلين عن القوى المشاركة في الحكم الحالي (المجلس الأعلى وحزب الدعوة بجناحيه، والحزبين الكرديين، وبعض الشخصيات المحسوبة على ماتسمى "مجالس الصحوة")، وقد إنفض المؤتمر بدون تحقيق أية نتائج إيجابية تذكر. فقد جدد السيد رئيس الوزراء رفض حكومته اجراء أي حوار مع عناصر حزب البعث قائلا "لا يمكن لحزب البعث الدخول فى العملية السياسية". واضاف ان "الحوار مع حزب البعث مهما كان اسمه والشخص الذى يراسه يعد مخالفة دستورية، ثم كيف نتحاور مع اناس يستخدمون العنف والقتل ويؤمنون بالانقلابات والارهاب والحزب الواحد ويحملون عقولا مريضة وافكارهم تجاوزها الزمن". وقد لاقت هذه الكلمات إستغرابا، وبخاصة من أطراف عراقية متعددة الأتجاهات والأنتماءات ترى أن المنتمين لحزب البعث هم (عراقيون) ويعدون بمئات الآلاف في المجتمع العراقي، فهل من الحكمة تجاهل شريحة كبيرة من المجتمع العراقي؟ ولماذا نصر على ارتكاب اخطاء الماضي حين صدر قرار بتجريم من ينتمى لحزب الدعوة مثلا... فما الفرق بين الموقفين؟ وما الذي تغير في العراق؟.
أحد السياسيين إنتقد المؤتمر قائلا أنه "مؤتمر للحاكمين، وهم متآلفين لايحتاجون لمصالحة!".. رئيس كتلة التيار الصدري في البرلمان نصار الربيعي قال:"إن كل مؤتمرات المصالحة الحكومية ماهي إلا دعاية حكومية فقط ولا تعالج المشكلة الاساسية فى العراق". وعلق عراقيون آخرون على كلمة المالكى فأشاروا إلى أنه حاول ترضية مختلف الأطراف المؤثرة فى العملية السياسية وما حولها، فحاول ترضية الأمريكيين بعقد مؤتمر عراقى خاص فى ذكرى الغزو وبحضور نائب رئيس الدولة المحتلة ديك تشيني الذى لقى حفاوة بالغة من قبل حكومة المالكي في زيارة إعتبرها العراقيون تشكل تحديا لمشاعرهم في رفض الغزو الأمريكي، وأشار آخرون: "ان المالكى قال كل شيء... لكنه لم يقنع أحدا". جبهة التوافق رفضت ترؤس الحكومة للمؤتمر لأنها تريد أن يكون برعاية عربية ممثلة فى جامعة عمرو موسى واستمرارا للجهود التى بذلها نائبه بن حلى خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد.
يذكر أن مؤتمرين للمصالحة تبنتها الجامعة العربية، إنفضت دون أي نجاح بسبب تعنت الأحزاب الحاكمة، كما بذلت محاولات لعقد لقاءات مصالحة في عدد من العواصم العربية والأوربية، لكنها جميعا لم تصل الى نتيجة وسط إصرار الأحزاب الحاكمة على رفض إشراك القوى المناوئة للأحتلال كفصائل المقاومة بمختلف توجهاتها وهيئة العلماء والقوى الوطنية والإسلامية الأخرى وبالأخص البعثيين.
الحقيقة الغائبة عن المسؤولين هي أن أية مصالحة عراقية وطنية حقيقية وجادة لا بد أن تبدأ من نقطة الاعتراف بحقائق الواقع العراقي وبمكوناته الاجتماعية والسياسية المرتكزة علي الوحدة الوطنية ورفض نتائج الإحتلال، وبوجود اختلال ناتج عن تغييب متعمد لقوي فاعلة في المجتمع العراقي، وليس علي التكريس المتجدد لأسس المحاصصة الطائفية والعرقية التي أغرقت البلاد في بحر من الدماء والفوضى والعنف على مدى خمسة أعوام، ومازال المستقبل مجهولا بل يحمل نذر الأخطر والأقسى والأعنف، وتلك هي الكارثة!. وبعد 5 سنوات من فوضى الأخطاء، ربما نعطي الأغراب بعض العذر في عدم فهمهم لدوافع حركة السياسة الاجتماعية والثقافية العراقية أو قد يفهمون وجهاً واحداً منها، لكن لا عذر لمن يضع نفسه في موقع الصانع والمسؤول عن مستقبل هذا البلد. ثم يكرس الانقسام والتفتيت والاحتراب. ولكي تكون مبادرة المصالحة السياسية حقيقية وجادة لا بدّ أن تأتي كجزء من مشروع سياسي شامل ومعلن علي الشعب العراقي، وقد أثبتت القوى المستأثرة بالسلطة فشلها في تسيير دفة المصالحة الحقيقية لعدم توفر النوايا الحقيقية والصادقة.
إن مصالحة وطنية عراقية صحيحة يجب أن تقوم على أساس ومبدأ رفض الإحتلال، ووجوب تحرير العراق من المحتلين من كل الأصناف، ولابد من برنامج سياسي توافقي هدفه إخراج المحتل، وإقامة نظام حكم غير طائفي مبني على المواطنة والشراكة وليس على المحاصصة المقيتة، نظام يقوم على التساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات دون تمييز في العرق او الدين او المذهب، وقيام جيش وطني ومؤسسات أمنية على قاعدة الولاء الأوحد للوطن فحسب، ومنع كل الميليشيات والممارسات الطائفية المؤذية.
إنّ العراقيين يأملون من الدول العربية الفاعلة ومن الجامعة العربية ومؤتمر القمة العربي، وبضغط من الأمم المتحدة لبدء عملية مصالحة وطنية بغطاء دولي يفرض الألزام على الجميع، عبر قناعة جادة وعبر حوار مع القوي والشخصيات العراقية الحقيقية المعروفة دون تهميش أو إقصاء، أما البيانات والمؤتمرات التلفزيونية ذات الأهداف الأمنية التكتيكية، ومحاولات التضليل الدعائي وتشويه معنى المصالحة الحقيقي، فإن أوراقها محروقة، ونتائجها معلومة سلفا.
Friday, March 21, 2008
العــــــــــــــــراق مؤتمرات الى الابد،،،،،،،،،بقلم دكتور ايمن الهاشمى
مجلة المصداقية السياسية
on 8:48 PM
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
0 comments:
Post a Comment