Friday, March 20, 2009

عالجوا العطش بالتعاون الإقليمي العربي



التعاون العربى







الدكتور رغيد الصلح
يحتفل العالم في يوم الثاني والعشرين من شهر مارس/ آذار ﺒ"اليوم العالمي للمياه". ويتحول الاحتفال بهذا اليوم إلى مناسبة لتسليط الاضواء على تحول المياه أو بالأحرى على ندرتها وسوء استخدامها إلى معضلة كبرى تواجه الإنسانية جمعاء، فبين دول العالم هناك ما يفوق المائة دولة تتعرض إلى اخطار الحروب وتهددها النزاعات الداخلية ذات الطابع العنفي والعسكري. وحيث إن نصف سكان العالم، أي قرابة ثلاثة مليارات نسمة يقطنون هذه الدول، فإن هذه الأرقام تعطينا فكرة عن فداحة هذه المشكلة ومدى اتساعها، غير أن الأمر لا يقف عند هذا الحد

الاحصائيات الدولية تقول أيضاً إنه فضلاً عن الاضطرابات والحروب التي يمكن أن تسببها ندرة المياه، فإن ما يقارب المليارين والنصف مليار من سكان العالم يعانون العيش في ظل أدنى الظروف المعيشية وأبعدها عن المستويات الصحية اللائقة، ومستويات النظافة العادية، بسبب الافتقار إلى المياه. وتضرب هذه المشكلة سكان العالم في أضعف مخلوقاتهم وأكثرهم حاجة إلى المياه وهم الأطفال. فحسب الاحصائيات الدولية يموت طفل في العالم كل 20 ثانية بسبب الأمراض الناجمة عن الافتقار إلى المياه وإلى لا سيما النظيفة.
إن هذه الأوضاع البائسة لا تغيب عن أحد من المتابعين للأوضاع الدولية، انها موضع اهتمام كبير على النطاق العالمي، حيث يتبارى في الاهتمام بها مسؤولون دوليون في المنظمات الدولية، ومنظمات دولية غير حكومية مثل منظمة "أوكسفام" والصليب الأحمر الدولي. كذلك تحاول بعض الشركات العالمية التي تحقق أرباحاً طائلة خاصة عن طريق التجارة الدولية أن تحسن صورتها على الصعيد العالمي عبر تنفيذ مشاريع خيرية وانمائية يشمل بعضها توفير كميات أكبر من المياه إلى العطشى في العالم. وقد شكلت هذه الشركات والمنظمات فيما بينها ما دعته ب"الشراكة المائية العالمية"، وذلك بهدف تكثيف نشاطها في هذا المجال الأخير. غير أنه من الأرجح أن تضع هذه الشركات الكثير من مشاريعها في البراد بعد الأزمة المالية العالمية، وأن تذهب الآمال التي علقت على مجموعة من الشركات بلغ رأسمالها حوالي نصف تريليون دولار.
كل ذلك يرسم صورة لأزمة ذات طابع دولي وإنساني، ولكن لهذه الأزمة طابعها الإقليمي أيضاً. إنها مشكلة عربية بامتياز. فبين أقاليم العالم التي تعاني من شح المياه مثل منطقة وسط آسيا، وبعض مناطق الولايات المتحدة، وحوض الأمازون في البرازيل، لا توجد منطقة تبلغ نسبة الأراضي الصحراوية فيها ما يوازي 70% من مجمل أراضيها، وتتعرض مناطقها الأخرى إلى حرب تصحير مستمرة، كما هو الأمر في المنطقة العربية. هذه "الخصوصية" العربية بدت أمراً بديهياً منذ عقود من الزمن إلى درجة أن الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور قال خلال عام 1957 إن التحدي الأكبر الذي يواجه العرب هو الصحراء والتصحر وندرة المياه في أراضيهم.
الطابع الإقليمي لمشكلة المياه يبرز أيضاً من خلال التوزيع "التكاملي" للمياه وللنفط على الدول العربية. فلقد أغدقت الطبيعة ثروة المياه على بعض الدول العربية، مقابل الشحة في نصيبها من النفط والطاقة، وأغدقت فيضاً من النفط على دول أخرى مع حرمانها من نصيب واف من المياه. هذه القسمة توفر هي وحدها أساساً مشروعاً ومعقولاً للتعاون الحثيث بين دول المنطقة، ولتبادل المنافع التي يوفرها هذا التعاون. انه يوفر أساساً للتعاون لا يقل في مشروعيته ومبرراته عن تلك المبررات التي دفعت دول أوروبا الغربية إلى التعاون في إطار لجنة الحديد والفحم التي أسست عام 1951 للسوق الأوروبية المشتركة.
كذلك، فإن الطابع الإقليمي يبرز لقضية المياه، حيث إنه يسلط الأنظار على درجة الانشكاف الأمني التي تحيق بالدول العربية، فدول وبلدان المشرق العربي التي تملك المياه تعرضت إلى ضغط مزدوج تركي - قبل وصول حزب العدالة بزعامة أردوغان إلى الحكم- و"إسرائيلي" لكي تتخلى عن حقوقها في استثمار هذه الطاقة بصورة معقولة تتماشى مع الأعراف والقوانين الدولية. مارست أنقرة في عهد تورغوت اوزال ضغطاً شديداً على سوريا والعراق للقبول بوجهة النظر التركية في مسألة استغلال مياه نهر الفرات. ومارست "إسرائيل" ولا تزال تمارس ضغطاً شديداً على لبنان لكي يتنازل عن حقوقه في استثمار نهر الليطاني الذي يمر بأراضيه. ولقد استندت وجهة النظر "الإسرائيلية" إلى أساس باطل ألا وهو أنه من الأفيد للبنان و"إسرائيل" أن يجري استثمار الليطاني بصورة مشتركة بين الجهتين بدلاً من أن "تذهب مياه الليطاني إلى البحر"، وكأنه ليس للبنان إمكانية استثمار النهر بصورة منفردة وإمداد الدول العربية الشقيقة بالفائض من المياه التي يملكها في هذا المجال. وكذلك يمارس "الإسرائيليون" سرقة موصوفة للمياه المتوفرة في الضفة الغربية وفي الجولان من دون اعتبار للقوانين الدولية التي تحرم استغلال قوات الاحتلال للثروات الطبيعية للبلد المحتل.
تؤكد هذه الاعتبارات مجتمعة الحاجة الملحة إلى تطوير التعاون الإقليمي بين الدول العربية من أجل توفير حلول معقولة لمشكلة المياه التي تحرم نسبة عالية من سكان المنطقة العربية شروط العيش اللائق، وتهدد أمن المنطقة وتسمح بفرض مشاريع أحادية الطابع بصدد استثمار مياه المنطقة، في غياب التعاون الجدي والحقيقي بين الدول العربية، فإن القوة العارية وليس المبادئ والقوانين الدولية والحقوق المعترف بها سوف تكون هي المقرر لمصير مياه المنطقة، وفي غياب التكتل الإقليمي القوي والفاعل بين دول المنطقة سوف يستفحل عطش سكانها ويصل إلى مستوى المعضلة المصيرية.

0 comments:

Post a Comment