لماذا تلتقي الحكومات العربية في مؤتمرات القمة؟ ما دلالات هذه المؤتمرات؟ ا
عندما يختلط نقد القمم العربية بالعداء للعروبة
جرت العادة أن يواجه انعقاد مؤتمرات القمة العربية ثلاثة أنواع من ردود الفعل والمواقف.
رد الفعل الأول، يصدر عن أولئك الذين يرفضون الوضع الراهن العربي وكل ما يمت إليه بصلة وخاصة المسؤولين عنه والمتسببين في قيامه واستمرارهم. ولسان حال هؤلاء يقول إن الحكومات العربية هي المسؤولة عن هذه الأوضاع وأنه لا يرجى منها خيرا سواء تفرقت او اجتمعت. تعبيراً عن هؤلاء كتب أحد المحللين العرب في صحيفة دولية معلقاً على قرارات إحدى القمم العربية: "كما انتهت القمم السابقة الى إعلانات وبيانات من دون تنفيذ، فإن التاريخ سوف يسجل أن هذه القمة هي قمة كلمات من غير فعل
رد الفعل الثاني، هو ذاك الذي يصدر عادة عن القوى المعادية للعرب التي لا تنفك تقلل من قيمة أية خطوة ايجابية مهما كانت محدوديتها. يحتل "الإسرائيليون" عادة موقع الصدارة من بين هؤلاء. ويسرف "الإسرائيليون" عادة في اكتشاف القمم وفي الحط من شأنها والطعن في مصداقيتها الى حد جعل تساليف روزنبرغ، المؤرخ والخبير "الإسرائيلي" في الأمن القومي يحذر "الإسرائيليين" خاصة أصحاب القرار وصناع الرأي العام من الاستخفاف بالقمم العربية وبالتسرع في الحكم عليها بالفشل. وتعليقاً على قمة دمشق التي انعقدت في آذار/مارس من العام الفائت، دعا روزنبرغ الى تحري الدقة في تقييم أداء القمم العربية ونتائجها وعدم الاعتماد على الكليشيهات التقليدية الرائجة في كتابات الاستشراقيين حول نزوع العرب الى الانقسام وعجزهم عن التحرك المنسق والفعّال.
رد الفعل الثالث يصدر عن أولئك الذين يؤيدون الأوضاع الراهنة في المنطقة العربية بحماس شديد ويسعون الى استمرارها وترسيخها بهمة ملحوظة، ويساندون الحكومات القائمة بحمية واندفاع، ويؤيدونها في كل ما تفعله تقريباً، حتى اذا التقت هذه الحكومات في مؤتمرات عربية واذا ما شارك قادتها في القمم العربية غيّروا لهجتهم تجاه هذه الحكومات وأولئك القادة، بعبارات التأييد والمساندة والدعم تتحول الى تعابير تتسم بالتشكيك وبالتشاؤم وبالنقد.
اذا كان من المستطاع أن يفهم المرء موقف الفئتين الاولى والثانية فإنه قد يجد صعوبة في فهم موقف الفئة الثالثة، الا اذا تساءل ترى لماذا تلتقي الحكومات العربية في مؤتمرات القمة؟ ما دلالات هذه المؤتمرات؟ الإجابات الأكثر انتشاراً تقول ما يلي:
1- إن بعض الحكام العرب يشعر أنه لايستطيع بمفرده، وان بلاده لا تستطيع وحدها أن تواجه التحديات والضغوط والمشاكل. وهذا البعض من الحكام يشعر أن الإطار الجماعي العربي له دور وظيفي مفيد. فإذا استطاع العرب بمجموعهم أن يجدوا حلاً لهذه التحديات والضغوط، التي تواجه عادة أكثر من بلد عربي، كان به. أما اذا فشل الإطار العربي الجماعي في توفير حل لهذه المشاكل، فإنه يستطيع أن يقول لشعبه إن المسؤولية لا تقع على بلده او عليه شخصياً، بل هي مشكلة العرب أجمعين.
2- إن العروبة لا تزال مصدراً للمشروعية السياسية في المنطقة، وإن الالتزام بالعمل العربي المشترك الذي هو من تجليات العروبة العملية لا يزال يشكل معياراً لدى قسم كبير من الرأي العام العربي للحكم على صلاح الحكام والحكومات.
3- إن الحكومات العربية تسعى عبر تنظيم القمم والاشتراك فيها لأنها تسعى الى كسب المشروعية العربية، ومن ثم كسب تأييد المواطنين المتعاطفين مع الفكرة العربية والذين لا يزالون يعتقدون أنها تقدم الكثير من الحلول للمشاكل التي تواجه الدول العربية.
إن اصحاب النمط الثالث من ردود الفعل التي تهوي بمطارق التيئيس على القمم العربية يسعون الى إسقاط المشروعية العربية مرة والى الأبد، والى إقناع النخب السياسية العربية أن المشروعية الوحيدة التي يمكن أن تفيدها هي تلك التي تنالها من -المجتمع الدولي-، الذي هو في اذهانهم الاسم الحركي للدول الحليفة ل"إسرائيل"، وليس المجتمع الدولي الحقيقي الذي يضم فضلاً عن دول الأطلسي سائر القوى والدول الأخرى في العالم. وأصحاب النمط الثالث من ردود الفعل يريدون عبر مظاهرات التهويل الكلامية والاعلامية إقناع الحكام العرب بأن العروبة هي حليف أبدي للخسارة وللمتاعب بحيث ان الاقتراب منها او من محافلها لا يفيدهم.
بين هذه الأنماط الثلاثة من ردود الفعل على انعقاد القمم العربية أين الموقف السليم؟
يكمن الموقف السليم أولاً في ترسيخ القمة العربية كإطار للعمل الجماعي العربي، وفي تكريس دوريتها. ويكمن الموقف السليم ثانياً، بالاهتمام الجدي بها وبمواكبة الإعداد لها بحيث تتمكن الجماعات والفئات الأهلية المعنية بالعمل العربي المشترك من بلورة مطالبها والاستفادة من مؤتمرات القمة من أجل تقديم هذه المطالب الى القيادات العربية وطرحها على نطاق الرأي العام. ويكمن الموقف السليم ثالثاً في مراقبة أعمال القمة وما يصدر عنها من قرارات عبر التقييم النقدي المسؤول لهذه المقررات، ثم مراقبة مدى التزام القيادات العربية بما هو مفيد وصالح من هذه القرارات. هذا الموقف كفيل بالتمييز بين أولئك الذين يحاربون القمم لأنها عربية وبين أولئك الذين ينتقدون هذه القمم لأنها لا تخدم القضية العربية بالمقدار المنشود
0 comments:
Post a Comment